بالرغم من كثرة الجولات الرقابية والتفتيشية المكثفة للجان صحة البيئة بأمانة العاصمة المقدسة والجهات الأمنية الأخرى التي تجوب «قوز النكاسة» بأوقات مختلفة، إلا أن التركيبة الجغرافية المعقدة للحي اتفقت مع العشوائية التي تضرب بأطنابها المكان، وحولته في غمضة عين إلى سوق لتجارة المخالفات والأطعمة الفاسدة، فالوافدون البرماويون من مخالفي نظام الإقامة شيدوا مستوطنة تعوث بالمخالفات.. «عكاظ» تجولت في الحي بحثا عن لسان عربي لتتحدث إليه وسط الشارع الفسيح الذي حوله البرماويون إلى سوق شعبي متكامل من الغذاء والملابس إلى أثاث المنزل. الداخل إلى ذلك السوق العشوائي سيعاني وهو يسير وسط اكتظاظ بسطات عربات بائعي الخضراوات والفواكه الصالح ظاهرها والمعطوب باطنها، ورؤوس المواشي والأسماك واللحوم المكشوفة في العربات ومحلات البيع، والكثير من السلع منتهية الصلاحية، بالإضافة إلى الملابس بأنواعها وعربات الخردوات والعطور والسي ديهات المقلدة المتجاورة مع صفائح القمامة، ومياه الصرف الصحي المتدفقة من المجارير وتسير بين الشقوق والدرج ليستقر البعض منها بالحفر الأرضية مكونة برك مياه أضفت على المكان رائحة نتنة يبدو أن أنوف سكان المكان قد ألفتها وباتت أمرا تتعايش معها، بعدما تتجمع بها قاذورات مخلفات السكان والباعة. أهله رحلوا عنه ومن بين ضوضاء وضجيج الأصوات المتداخلة مع الجمل التي يروج بها الباعة بضائعهم، عثرت «عكاظ» على شاب يمني اسمه حيدر في العقد الرابع من عمره، يعمل في أحد محلات بيع الملابس الجاهزة.. يقول حيدر: «أغلب السكان من الجالية البرماوية المخالفين لنظام الإقامة الذين استوطنوا في المكان منذ عشرات السنين، ووضعوا صبغتهم على الحي، بعد أن رحل عنه أهله، ولم يبق إلا قلة منهم فمنهم من باع بيته بثمن بخس، ومنهم من هجره، وآخرون أجروه لمن لا يعرفون أخلاقياتهم حتى يفروا بجلدهم من الحي. سحر وشعوذة وروى كل من محمد العبدلي وسلطان الدعدي، من سكان الحي القدماء عن المخالفات والجرائم التي تنمو يوما بعد يوم «بقوز النكاسة» من حوادث السرقات وتمرير المكالمات وبيع البضائع منتهية الصلاحية والفاسدة، وتخزين مياه زمزم المغشوشة، وممارسة السحر والشعوذة والكهانة، ولم تنته المخالفات إلى هذا الحد فقط، فكلما تعمقنا بالحي أكثر، وسلكنا الطرق المؤدية إلى الجبال عثرنا على سلسلة من المحلات التجارية العشوائية غير المرخصة التي علق عليها لوحات إعلانية بلغتهم، إلى جانب المنازل المهجورة التي تبدو لناظرها أن داخلها يعج بالسكان، وأخرى شيدوا عليها طوابق إضافية بدون تراخيص بناء من الأمانة. عقوبات صارمة وقالوا: الغريب أن أمانة العاصمة المقدسة كلما قضت على واحدة من تلك المخالفات ظهر العديد منها في أماكن متفرقة بالحي، بل إن نفس المخالفين يعودون من جديد لممارسة نشاطهم مرة أخرى. وأوضحوا أن الحل المناسب للتصدي لما يحدث في كثير من الأحياء والحواري العشوائية لا يكمن في إزالتها فقط، معللين ذلك بأنه كلما أزالوا عشوائية شيد المخالفون العشرات غيرها، داعين إلى ضرورة أن تعمل الجهات المختصة على تكثف جولاتها الرقابية والتفتيشية في جميع الأحياء لإزالة المخالفات، وفي ذات الوقت سن عقوبات صارمة ورادعة على المتعاونين والمتسترين عليهم.