حياتهن بين الأموات، نواعم لكن قلوبهن من فولاذ، وأطرافهن مقاومة للخوف ولا تخشى ملامسة الراحلين، إنهن مغسلات الأموات المهنة التي لا تعترف بالأفئدة الضعيفة وتمنح رقة الشعور والعاطفة إجازة حتى حين. «عكاظ» اقتحمت عالم المغسلات وتعرفت عن قرب على حياتهن الشخصية وما يدور فيها من أسرار، وفي البداية تحدثت السيدة عيشة ذات السبعة عقود والتي قالت: أدمنت رائحة الدم وصور الموت فمنذ أربعين عاما اباشر الميتات من النساء وأغسلهن. وتضيف الحالات التي اباشرها من داخل المنطقة مبتغية رضا الله والأجر، كذلك أعمل على تدريب الكثير من خريجات الشريعة لتعليمهن طريقة الغسل والتكفين. وذكرت أن من أصعب المواقف التي باشرتها كانت لسيدة رأسها مفصول عن جسدها وبقية جسمها مقطع لأشلاء متفرقة. من جهتها، تذكر الداعية والمغسلة تهاني رجب إحدى القصص التي واجهتها أثناء غسل امرأة متوفاة، تقول: باشرت غسيل متوفاة قادمة من بريطانيا ووفقا لمعتقداتهم فقد وصل النعش ووجه المرأة المتوفاة مزين بالماكياج الأمر الذي اصابني بالدهشة، مضيفة: منذ عشر سنوات أغسل الأموات وتعلمت تغسيل الميت من خلال الممارسة والدراسة الجامعية من خلال تخصصي في الشريعة. وعن تعامل أسرتها معها تقول: في البداية كان لدى ابنائي وزوجي رهبة من هذا العمل الذي اقوم به، وكنت عندما تموت امرأة وينادونني اشعر برهبة من ابنائي وزوجي لكنهم في نهاية المطاف اعتادوا على الوضع القائم وأصبحت حقيبة التغسيل داخل غرفة النوم تأهبا لأي حالة استدعى فيها للغسل. وفي ما يخص أصعب المواقف قالت: غسيل الأقارب يعتبر الأصعب ولكن غسل والدتي كان الموقف الأصعب ولا يزال كذلك فذلك الشعور غاية في الألم. وتضيف: من أصعب المواقف انني غسلت امرأة وسمعت صوتا من بطنها وبعد أن أكملت الغسل أجلستها لأتأكد من أنها متوفاة إذ إني شعرت أنها حية إلا أن ذويها قالوا لي إنها شربت ماء قبل وفاتها وماتت بغتة فأتممت الغسل والكفن. فيما تقول أم جابر التي اشتهرت بغسل النساء المتوفيات إن المهنة صعبة للغاية إذ تضع صاحبها مباشرة في مواجهة صور الموت ليلا ونهارا وأحيانا أكثر من مرة في اليوم، وإذا كانت النساء هن الأرق من الرجال فكيف يكون حالهن في عملهن في غسل الموتى. وأضافت أنه بالنسبة لأبنائها وأسرتها فإنهم متقبلون لعملها إلا أن المجتمع قد يعترض على الفكرة «لم يعارضني أحد من أبنائي وبناتي لكن المشكلة التي تواجهني في المناسبات الاجتماعية أشعر من خلال تعامل النسوة والفتيات بأني شؤم وأسمع همسهن: المغسلة وصلت». وأوضحت المغسلة عايدة الشهري (45 عاما) أنها استقبلت حالة وفاة لفتاة شابة بعد حادث مروري مروع، «حاولت نزع ملابسها لكن دون جدوى ما اضطرني لتغسيلها بملابسها التي كانت ترتديها فقد كان كل جزء من البنطال يخرج ومعه وصلة من لحم جسدها». مغسلة أموات جدة الشهيرة: زوجي يقاسمني الأجر تذكر أم سامي والتي بدأت تغسيل الأموات ب «دمية» أنها أشرفت على غسل 480 متوفاة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن زوجها شجعها على المهنة وأسهم بالمشاركة معها من خلال تجهيز الأكفان وما تحتاجه في الغسيل. وتضيف: الموقف الأصعب الذي واجهني حين طلبت لتغسيل سيدة متوفاة من الجنسية التشادية وحين وصلت وسألت عن الجثة كانت الصاعقة حيث وجدت الجثة متحللة وكلما أمسكت بجزء سقط آخر. وخلصت إلى القول لن أنسى ما حييت سيدة توفيت في العقد السادس من العمر وحين بدأت في تغسيلها لم أصدق عيني إذ كانت أشبه ما تكون بعروس في ليلة زفافها وبسؤالي عن حياتها ذكر أبناؤها أنها كانت حافظة للقرآن وتزوجت من رجل له سبعة أبناء وأشرفت على تربيتهم حتى كبروا.