ماذا تعني الأرقام الضخمة التي تضمنتها موازنة الدولة لهاذا العام؟ وكيف يرى أصحاب الرأي والاختصاص هذه الأرقام وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز التنمية المتوازنة؟ وما هي الأولويات التي يجب التركيز عليها في صرف المخصصات؟ وما المطلوب من الجهات المعنية لتحقيق مساعي الدولة في العمل المتواصل على تحسين حياة المواطنين ورفع مستوى معيشتهم؟ هذه المحاور وغيرها كانت في صلب ندوة نظمتها «عكاظ» في مكتبها في مكةالمكرمة جمعت عددا من أبرز الأكاديميين والتربويين والعقاريين ورجال الأعمال في العاصمة المقدسة، والذين أجمعوا على أن الموازنة العامة للدولة، والتي دائما ما يأتي في طياتها الخير للوطن، جاءت لتؤكد أن تعليم الإنسان السعودي وتأهيله، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية له، هي من أولويات القيادة الرشيدة، مشددين على أن اضطراد حركة التنمية والنمو السكاني، يتطلب تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمع، خصوصا زيادة الطلب على الوحدات السكنية، وتحسين مستوى الرعاية الصحية وغيرها. ورأوا أن الوطن مقبل على مرحلة عمرانية وتنموية شاملة في شتى المجالات، مؤكدين أن هذه الموازنة ستنعكس على مستوى حياة الفرد في غضون الأشهر المقبلة حيث ستتحقق النتائج المرجوة منها. وإلى وقائع الندوة التي عقدت تحت عنوان «أرقام الموازنة ومسيرة تحسين مستوى معيشة المواطن»: • عكاظ: بعد أقل من أسبوعين من صدور الموازنة العامة للدولة، وبعد اطلاعكم عليها، كيف تقرأون الأرقام الواردة فيها، وماذا تعني لكم؟ • فارسي: لا شك أن الموازنة حققت رغبة الدولة في تعزيز مسيرة التنمية وإعطاء الأولوية للخدمات التي تمس المواطن، خصوصا في مجالات التعليم والصحة والخدمات البلدية والتنمية الاجتماعية الشاملة. والأرقام التي وردت في الموازنة تؤكد على اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الرشيدة برفع مستوى المعيشة وتحسين سبل الحياة، وتوفير فرص العمل من خلال اعتماد برامج ومشاريع جديدة، ولا شك أن هذا الأمر الذي سينعكس إيجابا في تحسين البيئة الاستثمارية وزيادة معدلات النمو في مختلف القطاعات، كما أن أرقام الموازنة تعكس الواقع الحقيقي للخير الوفير، لذا يجب أن نستفيد من هذه الطفرة في الموازنة لكي نعمل على تسريع موضوع التنمية، وهذا يستلزم أن يكون هناك نوع من الشفافية والتوازن، من خلال التركيز على البنية التحتية وخصوصا القطاعات التي تتعلق بالخدمة المباشرة للمواطنين، ما يعني ضرورة أن يتعكس ذلك على المواطن راحة وخدمة جيدة في أي موقع يقدم خدمات للمواطن سواء في المستشفيات أو غيرها من الجهات التي يحتاج لها المواطن في حياته اليومية. • د. الرحالي: المبالغ المالية الضخمة التي رصدت في الموازنة العامة تؤكد استمرار توجهات الدولة في دعم المشاريع التنموية الكبيرة، والتي تستهدف بالدرجة الأولى مشاريع البنى التحتية وتطوير الموارد البشرية، بما يعكس اقتصاد المملكة الثابت المتين. • فرغلي: إن الوصول إلى هذه الموازنة الضخمة التاريخية لا يعني فقط البهجة بما تحقق، بل يعني أن الاقتصاد السعودي أصبح في مكان يملك المقومات التي تساعده على استشراف مكاسب المستقبل ومواجهة تحدياته بصورة أوضح. ولا شك أن الخير موجود كما أوضح خادم الحرمين الشريفين عند إعلان الموازنة. نحن والحمد لله نعيش فرحة شفاء خادم الحرمين الشريفين وخروجه من المستشفى سالما معافى، وصدور أوامر خادم الحرمين الشريفين بالعفو عن السجناء وأصحاب الديون، وإعلان الموازنة العامة للدولة، وهي والتي حملت بشائر الخير لهذا الوطن المعطاء. ومع هذه الموازنة فإن الوطن مقبل إن شاء الله على مرحلة عمرانية وتنموية شاملة في شتى المجالات، وهذه الموازنة ستنعكس على مستوى حياة الفرد في غضون الأشهر المقبلة حيث ستتحقق النتائج المرجوة منها، إضافة إلى أن العملية العمرانية ستتحرك في مختلف المدن، ولكن المطلوب فقط من الوزارات التحرك كل فيما يخصه لتحقيق الخطط المكلفة بها في ما يخص توفير وسائل الراحة والاستقرار للمواطن أينما كان. د. حريري: أثلج صدورنا ظهور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإعلانه الموازنة الضخمة، موازنة الخير والنماء للمملكة، كما أن كلمة خادم الحرمين الشريفين هي كلمة أمانة حملها حفظه الله لكل مواطن ومسؤول في آن واحد، فالموازنة تحمل الخير الكثير وهذا بفضل الله تعالى ثم بفضل سياسة خادم الحرمين الشريفين ولكن المهم هو كيف يمكن أن ندير هذا الخير الوفير، بحيث يستفيد منه كل مواطن في شتى مناطق ومحافظات المملكة منها. الخير الوفير • عكاظ: انطلاقا من ما قاله الدكتور حريري كيف يمكن إدارة هذا الخير الوفير ليستفيد منه الجميع في مختلف المناطق، بمعنى ما هي الأولويات التي ترون أنه يجب التركيز عليها في صرف المخصصات في الموازنة؟ • فارسي: أعتقد أن أبرز ما يمكن الاهتمام به والتركيز عليه للوصول إلى تعميم الإفادة من الأرقام الضخمة للموازنة الجديدة على كل المواطنين في مختلف المناطق، هو قطاع الإسكان، هذا القطاع الذي يشهد أزمة كبيرة، خصوصا أن نسبة كبيرة من المواطنين لا يملكون منازل خاصة لهم بل يعيشون في مساكن مستأجرة، لذا أرى ضرورة تشكيل لجنة عليا لمراجعة أزمة الإسكان، التي تستنزف 60 في المئة من مدخلات المواطنين. • د. حريري: التعليم والتدريب المهني هو صديق لسوق العمل، ما يعني أنه يجب الاهتمام والتركيز على هذا القطاع المهم جدا، بهدف تقويته وتعزيزه لأن ذلك سيساعد وبشكل مباشر في القضاء على البطالة في المملكة. وإلا فكيف نهيئ الشباب لسوق العمل خصوصا حملة الشهادة الثانوية العامة ما لم تكن هناك مواءمة مع سوق العمل من خلال التدريب والتأهيل. • د. حريري: يجب أن تعطى الصحة الأولوية خصوصا أنها من أولويات أي دولة مهما كانت قدرتها، كما يجب أن تكون الكوادر التي تشرف على بناء المستشفيات من الكوادر عالية الخبرة، فعلى سبيل المثال لدينا المستشفى الجامعي في جامعة أم القرى حتى الآن لم ينفذ رغم المخصصات التي وفرت له، ومنذ عهد مدير الجامعة السابق الدكتور راشد الراجح وحتى الآن لم يحل موضوع هذا المستشفى. وهناك موضوع مهم آخر وهو أن خريجي أقسام كليات الطب في جامعة أم القرى لم يتعين منهم أكثر من 40 في المئة والباقون ما زالوا يبحثون عن وظائف، وبالتالي نحن بحاجة إلى تنسيق بين القطاعين العام والخاص في هذا الخصوص. • د. الرحالي: الملاحظ أن الموازنة حملت زيادة للتعليم المهني بحوالي 15 في المئة عن العام الماضي، ومع الموازنة الكبيرة نريد ضخ دماء جديدة في هذا القطاع، ونحن في حاجة إلى اليد الماهرة المهنية. ونتمنى أن يكون هناك توجيه في الاستراتيجيات والدراسات والتوسع في مسار الدراسات العليا وإعطاء فرصة لرجال الأعمال والقطاع الخاص للمشاركة الفعالة، والاتجاه إلى التدريب حسب حاجة سوق العمل. التعليم والمدارس • عكاظ: كيف ترون انعكاس الموازنة على قطاع التعليم والمدارس؟ • الشريف: ما جاء في الموازنة أمر يبهج الصدر، خصوصا في ما يتعلق بانخفاض المباني المستأجرة غير الصالحة للتعليم، حيث أشارت أرقام الموازنة إلى أن مخصصات المباني المستأجرة انخفضت من 41 إلى 21 في المئة، وهذا بحد ذاته يعد مؤشرا جيدا للقضاء على المباني المستأجرة، إضافة إلى إنشاء عدد كبير من المدارس الحديثة من الموازنة الحالية في ما يقارب ب 539 مدرسة للبنين والبنات في مختلف المراحل، إضافة إلى الجاري تنفيذه والذي يقارب 1900 مدرسة. يأتي ذلك بعدما بدأت وزارة التربية والتعليم منذ 5 سنوات، بتجهيز المدارس بالتقنية الحديثة من معامل ومختبرات ومصادر للتعلم لإيجاد بيئية جاذبة، إلى جانب إيجاد برامج التأهيل للمعلمين المتخرجين حديثا، فالتعليم مادة علمية وعلاقات إنسانية وجانب مهني، لذا من المفترض تكون هناك جهات أخرى تقوم بتدريب المعلم في الجهات التعليمية والتأهيلية تربويا ومهنيا. إن وزارة التربية والتعليم تبنت خلال العام المنصرم برنامج تكافل لإعانة طلاب الأسر المحتاجة وغير المقتدرة ماديا، فالطالب المعوز حين يشاهد زملاءه المقتدرين ماديا يتأثر نفسيا، وقد يتأثر تحصيله الدراسي جراء ذلك. ولذلك فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعم هذا البرنامج ب 9 مليارات ريال قبل عامين وتم تنفيذه منذ بداية العام المنصرم، بعد وضع آلية معينة في للصرف، كان لها أثر ايجابي على الطلاب. كما أن توفير بيئية جاذبة للطلا ب وخصوصا في وقت الفراغ، كإيجاد الصالات الرياضية والملاعب المزروعة والمسابح، تحفز الطالب دراسيا، وتنمي مواهبه المتعددة. • فلمبان: الميدان التربوي هو المجال الوحيد الذي يطال مختلف أطياف المجتمع، ولذا فإنه من المهم إعادة مكانة المعلم كما كانت سائدة في المجتمع، خصوصا في ظل ثورة الاتصالات التي اعترتها الكثير من المفاهيم الخاطئة. لذلك لا بد من وضع سلم تحسيني للمعلمين من خلال تأمين التدريب والتأهيل المستمرين لكي تعم الإفادة المعلم والطالب والأهل وبالتالي الوطن بكامله. الموازنة ومتانة الاقتصاد • عكاظ: هل تعتقدون أن الموازنة ستسهم في زيادة التضخم وما هو تأثيرها انعكاسها على الاقتصاد الوطني؟ • الصائغ: الأمر المؤكد والذي يعلمه الجميع هو أن الموازنة الضخمة لن تؤثر على الأسعار بفضل نظام الرقابة التي تمارسها الجهات المختصة، ولكن لا بد أن نعمل جميعا في خندق واحد لبناء الوطن فمن الجميل أن ندرك أنه وبعد عشر سنوات انخفض الدين العام بهذا المستوى الملحوظ الذي معه حيث توقع وزير المالية أن ينخفض حجم الدين العام بنهاية العام المالي الحالي إلى 98 مليارا و848 مليون ريال، تمثل 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 1433 / 1434مقارنة بمبلغ 135 مليارا و500 مليون ريال في نهاية العام المالي الماضي 1432 / 1433ه. كما أن تقرير صندوق النقد الدولي للعام 2012 م أثنى على السياسات الاقتصادية للمملكة المتمثلة في استخدام إيراداتها النفطية المرتفعة لتعجيل التقدم نحو إحراز أهداف التنمية المحلية، ورحب المديرون التنفيذيون في الصندوق بما تبذله المملكة من جهود لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، كما أثنوا على جهود الحكومة لتعزيز الرقابة المالية وإدارة المخاطر، مرحبين بالتحسينات المدخلة على نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المملكة. وهذا ما أكده أيضا تقرير مجموعة العشرين، الذي أظهر أن المملكة جاءت في المرتبة الأولى بين أعضاء المجموعة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والانضباط المالي، كما أعلنت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، محافظة المملكة على تصنيفها الائتماني السيادي المرتفع ( AA- ) مع نظرة مستقبلية مستقرة، ويأتي هذا الإعلان تأكيدا لمتانة اقتصاد المملكة وقوة مركزها المالي عالميا. الشؤون الاجتماعية • عكاظ: كيف ترون المخصصات التي تضمنتها الموازنة للشؤون الاجتماعية؟ • خياط: لقد حظيت الشؤون الاجتماعية بمخصص قدر ب 100 مليار ريال وسيشمل جميع الفئات، وهذا سيؤدي إلى تطوير الخدمات التي تقدم للمواطنين في المرافق التابعة للوزارة. • الحارثي: أعتقد أن هناك حاجة في عدد من الوزارات والجهات الحكومية لتطوير خدماتها والارتقاء في أدائها نحو المواطن، فوزارة الشؤون الاجتماعية والقضاء وجمعية حقوق الإنسان مثلا، كلها جهات لا يستطيع المواطن النفاذ إليها بسبب الروتين، ولذلك أعتقد أن من المهم أن تستثمر مخصصات هذه الجهات في رفع مستوى خدماتها للمواطنين، فنحن بحاجة لخدمة المواطن، فمثلا أرى أن الشؤون الاجتماعية مقصرة في شأن الإيواء فمن المفترض يكون هناك إيواء للأسر المعنفة خصوصا أنه تم رصد عدة حالات ساكنة في أنفاق وغيرها في مكةالمكرمة. يجب التوسع في الإيواء والحماية للأسر العاجزة عن دفع إيجارات السكن بمختلف الحالات. كما أنه يجب تنظيم دورات للموظفين في كيفية التعامل مع الغير، ويجب تطوير القضاء، خصوصا أن خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) مهتم جدا بهذا القطاع المهم حيث رصد في موازنة عام 1429 ه للقضاء 9 مليارات ريال، كما أننا بحاجة إلى ثقافة الحقوق الإنسانية لكافة أفراد المجتمع ومن المفترض أن تدرس في المناهج الدراسية. الرخاء والعيش الكريم • عكاظ: هل من دور يمكن أن تلعبه الغرف التجارية في تحقيق أهداف الموازنة؟ • فارسي: القراءة الفاحصة لأرقام مصروفات الموازنة العامة للدولة بما تحفل به من وضوح وشفافية تؤكد أنها تستهدف بسخاء رخاء المواطن في متطلبات عيشه الكريم، وقد ترجمت الكلمة الضافية التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لأبنائه وإخوانه المواطنين هذا المعنى بوضوح تام، حيث كشفت مضامينها ما يحمله وجدانه الكبير من هم وحرص نحو وطنه ومواطنيه، بما يفسر حجم الحب الذي تنطوي عليه مشاعر المواطن نحو قائد مسيرته الوطنية أيده الله، لذلك يجب أن تكون بيئة العمل محفزة ويجب أن يكون هناك تكاملا بين القطاع الخاص والقطاع العام، وأن تعطى الفرصة للمنشآت الصغيرة لكي تكون شريكا أساسيا في بناء البلد، ولذا يجب أن تقوم الغرف التجارية والصناعية بالدور المأمول منها في التنسيق مع القطاعات الحكومية، لإيجاد الفرص الوظيفية الملائمة للشباب، خصوصا أن المعوقات التي تواجه القطاعين الخاص والعام يتمثل في عدم وجود الثقة في ما بينهما. إن معوقات التنمية تكمن في ثلاثة عوامل: البنية التحتية التي تنعدم فيها الخدمات، ونظام المناقصات الحكومية الذي أدى إلى نسبة تعثر للمشاريع وصل إلى 90 في المئة، إضافة إلى افتقاد كثير من الجهات للعمل المؤسسي، لذا يجب التركيز على هذا الجانب المهم للوصول إلى الأهداف المنشودة. المشاركون في الندوة • د. هاشم بكر حريري وكيل جامعة أم القرى السابق. • زياد فارسي نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة. • أسامة عبدالجليل فرغلي الخبير العقاري في مكةالمكرمة. • رضا خياط مدير المتابعة الاجتماعية في مكةالمكرمة سابقا. • د. عصام عبدالقادر الرحالي مدير إدارة الجودة والاعتماد المهني بمجلس التدريب التقني بمنطقة مكةالمكرمة. • وائل الصائغ رجل أعمال ومستثمر في قطاع المعادن. • سلطان الحارثي محامي حقوق الإنسان في مكةالمكرمة. • نواف بن عبدالله الشريف من إدارة التربية والتعليم بمكة. • حسام فلمبان المعلم الحاصل على شهادة التميز في العطاء.