كثيرا ما تظلم الطروحات والأفكار والرؤى الثقافية وكثيرا ما نجد المبدعين والمثقفين والمفكرين يتذمرون من الظلم والتسفيه والتشويه الذي يلحق بأفكارهم، بل قد يتعدى أفكارهم ليصل إلى أشخاصهم، فيتهمون في نياتهم ويضايقون في أرزاقهم وهذا الظلم للأفكار يأتي من خلال أحد أمرين لا ثالث لهما: أولهما من خلال أصحابها أنفسهم؛ إما لعدم قدرتهم على إيصالها بالطريقة المناسبة فلا يعرفها الآخرون بالشكل الصحيح «والناس أعداء ما جهلوا» وإما بتقديمها بروح انفعالية تبرزها في صورة مناقضة ومجتثة لما ألفه الناس وتعودوه ومخالفة لتكوينهم الثقافي والمعرفي ومعارضة لنسقهم الاجتماعي وناسفة أو مشككة في أشياء هي في عقل المجتمع الباطن من المسلمات التي لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها. وثانيهما: من خلال أعدائها؛ لأنهم يرون (في هذه الأفكار) خطرا يهدد مصالحهم أو يهز مواقعهم أو يقوض منزلتهم، ويكشف هشاشة تفكيرهم، ويجعل الأتباع ينفضون من حولهم، فلو سمحوا لهذه الأفكار لتحولوا من موقع القيادة والريادة إلى مؤخرة الصفوف. ومن هنا فرضوا سلطتهم وأحكموا سطوتهم وأجهضوا كل حضور لغيرهم، وهذا الظلم عينه الذي عنيته. إن هذا الظلم للأفكار هو أحد عوامل قتل الإبداع وأسباب إجهاض الابتكار إذ يؤدي إلى حبس العقل في معتقل التفكير الجاهز والمعلومة البائتة والفكرة البائدة. ومن يتابع التجاذبات الفكرية في ساحتنا الثقافية يجد معارك من الحروب الفكرية والأيديولوجية يحاول فيها كل طرف أن يصادر وجهة نظر من يخالفه أو يسفهه أو يقدح في صحته وصلاحيته، وظهر في خضم هذا التناطح سلاحان فتاكان: سلاح الاتهام بالتخلف والظلامية وسلاح التكفير، في حين غاب عن المشهد الصوت الداعي إلى التفكير الواعي والمناقشة المتزنة والاستنتاج المتعمق والحوار الحر مع الاتفاق على عدم المساس بالثوابت. لقد بدأ اليوم يظهر ظلم الأفكار على حقيقته وتنكشف سوءاته وتبرز عوراته وبدأ يتراجع ويضعف بعد أن اتضح وانفضح؛ لأنه أدى إلى ظلمين في آن: ظلم للنفس بحرمانها من معرفة الحق، وظلم للغير بمصادرة حقه في الإرادة والتفكير، والحيلولة بينه وبين ما يقتنع به من أفكار ومبادئ هي في نهايتها لا تخرج عن نسق المنظومة الاجتماعية ولا تناقض قناعات المجتمع ولا تطرح أو تسقط ثوابته. وهذا يوجب أن يبدأ الآن تنوع الأفكار وتعدد الطروحات لتصبح إمكانية الانتقاء للارتقاء ممكنة بدلا من الأحادية التي تصنع نسخا مكررة لا ترى إلا بعين ولا تسمع إلا بأذن ولا تتكلم إلا بلسان ولا تفكر إلا بعقل. على ألا يكون التعدد جسرا للتمرد والشذوذ، بل يكون هدفه مصلحة البلاد وخدمة المجتمع وسلامة المبادئ وصياغة العقول. وألقاكم. تويتر @aanzs1417