مصطلح «الحرية» فضفاض واسع، ومفهومها يختلف باختلاف مشارب الناس وعقائدهم وطبائعهم وثقافاتهم وقدراتهم الشخصية. البعض يتجاوز حدود القانون والنظام وقيم المجتمع عندما يتدثر بالشعار الفضفاض وتأتي النتيجة كارثية حتمية، فالمتوازنون نفسيا وفكريا يقولون إن الحرية نوعان «مسؤولة» و«غير مسؤولة»، لكن أقلية غير واعية تريد الحرية بلا ضوابط ولا مسؤولية.. يريدونها هكذا بلا كوابح اجتماعية وقيمية.. وهنا تكمن الكارثة. احترام الثوابت «عكاظ» لامست أستار الحرية في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات واستبانت آراء بعض روادها حول مفهومهم عن الحرية وضوابطها، ويرى صالح الصالح أنه مع حرية الإبداء لا حرية الإيذاء، مضيفا: التوازن مطلوب في كل مكان، خصوصاً عند التعرض للثوابت. أما محمد السعيد فقال: حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، وفي القول والعمل يلزمك ضابط الدين. في حين قالت حصة العبيد: احترم الدين، القانون، المكان، الذات، والإنسانية، بعدها أطلق حريتك في التعبير، وتضيف: أتمنى ضبط مواقع التواصل لأننا لو احترمنا بعضنا لما احتجنا لذلك. هدم القيم الدكتور مسفر القحطاني الكاتب والأكاديمي يرى أن حرية التعبير من أهم حقوق الإنسان ومطالبه المعاصرة وكفلتها قوانين مجتمعية ومواثيق دولية والحرية في المنظومة الاسلامية تحتل موقعا هاما في التشريع والقيم وهذا ما جعل بعض المعاصرين كالطاهر بن عاشور يجعل من الحرية مقصدا من مقاصد الشريعة. ويضيف القحطاني ضوابط الحرية مهمة عقلا لأن التخوف يكمن من تأثرها بالأهواء لذلك تحتاج إلى ضبط قانوني وحدود نظامية، والتخوف الآخر يكمن في تجاوز الفرد في حرية تعبيره نحو خصوصيات الغير لذلك كان لا بد من وقوف الحريات عند حريات الآخرين. ولفت القحطاني إلى أنه من الطبيعي أن يضبط النظام العام، المواقع الالكترونية، ويضع لها حدودا للتعبير تحترم قيم المجتمع وخصوصية الغير، مضيفا: في العهد الدولي الخاص للحقوق السياسية والمدنية المادة 18 نصت على الحق في التعبير مع ضوابط مصلحية تحقق مقصد الحرية، والتجاوز بالإساءة أو البهتان وهدم القيم الثابتة يستحق المؤاخذة والعقاب. السب والانفلات كشف مركز ومضة للأبحاث الاقتصادية في دراسة أخيرة أن السعوديين هم الأكثر استخداما لموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في العالم العربي بنسبة 38 بالمائة، كما يتصدر السعوديون قائمة ال100 شخصية عربية الأكثر تأثيرا في الموقع، وأبدى الدكتور محمد الشويعر الكاتب والأكاديمي استياءه من كتابة البعض ومشاركتهم في كل شيء، حتى أضحى الشتم والسب والكلام الوقح والانفلات الفكري واضحا على البعض، ما يوجب ضبط تلك المواقع. ساهر في المواقع قال الشويعر: لا أعارض الانفتاح الفكري، لكن في الجانب الآخر لا بد أن يكون الانفتاح مضبوطا بضوابط وقيم الانفتاح التي تربينا عليها مثل ثوابت الدين وقيم المجتمع وغيرهما، ليكتب الجميع بأدب وموضوعية ويحترموا بعضهم دون إثارة للأحقاد والعصبيات والعنصريات. ولفت إلى أن من العصبيات ما يفتت الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي دون شعور من الكاتب أحيانا وبتعمد من البعض في أحيان أخرى، مضيفا: القدوة الصالحة تبدأ من البيت، نحن بحاجة إلى «ساهر» في المواقع لضبط ما يدور فيها». للحرية حدود الدكتور سعود كاتب في رأيه أن الحرية تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين، ويستغرب ممن يخالفون القانون بحجة حرية التعبير دون علم أن لكل حرية حدودا. ويشدد على ضرورة إيضاح حدود الحريات، لافتا إلى أن المجتمع في بعض قطاعاته يعاني من قصور في القوانين، مبينا أن ما يحصل في مواقع التواصل والمنتديات يتضمن كثيرا من العنصرية والشتائمية والتشهير والشائعات. واضاف: نحن مقصرون إذا لم نعلم الجيل الجديد كيفية استخدام الوسائط بشكل سليم، مقصرون إن لم نوضح لهم المزايا والسلبيات، فضلا عن تقصير القوانين إذا ما علمنا أن نظام جرائم المعلوماتية لا يطبق ونظام النشر الإلكتروني فيه كثير من الثغرات. وأضاف سعود كاتب: إنه لمن المؤسف حقا أن يظهر أحد مخترقي المواقع الإلكترونية المشهورين بشكل متكرر ويعترف أمام الملأ بجرائمه وفضائحه ويفصح بكل التفاصيل عن قرصنته، دون أن يجد عقوبة من الجهة المسؤولة. ممارسات خاطئة في الجانب القانوني يبين المحامي الدكتور عمر الخولي أن الحرية مكفولة للمرء بكافة مظاهرها سواء تلك التي تتعلق بالتفكير والاعتقاد أو المال وغيرها وهي من ضمن حقوق الإنسان المقررة. وقال: ما يحدث في مواقع التواصل صورة واقعية لممارسة خاطئة للحرية بصورة غير مسؤولة ينتج عنها التعدي على الآخرين والإضرار بهم، فأنت حر ما لم تضر أحدا، هناك حدود لكل حرية. ويزيد الخولي ان المشكلة تكمن في طبيعة الممارسة الخاطئة لهذه الحريات عبر شبكات التواصل التي يصعب ويتعذر الوصول إلى أصحابها، فضلا عن أن الأنظمة ليس لديها القدرة على التعامل مع المستجدات الحديثة لوقف الانفلات في ممارسة الحريات، والقوانين الفاضلة ليس من شأنها أن تصنع مجتمعا فاضلا، بل الذي يصنع هذا هي الأنفس، لأنه من السهل الخروج عن القوانين والالتفاف عليها لكن الردع والرقي الذاتي بالخلق يتجاوز كافة النصوص. اسماء مستعارة رأي آخر يبديه الكاتب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والمشرف العام على موقع «الدين والسياسة» خالد المشوح، إذ يقول: موقع تويتر في أساسه مخصص للتواصل وما يحدث فيه ناتج عن الحالة التي تعيشها المنطقة، حيث انقلبت إلى ساحة فكرية ومنبر سياسي، وأصبح المغردون يحرصون قدر المستطاع على الظهور بهذا الشكل، أما في الجانبين السياسي والفكري فيبقى المغردون على نوعين، أحدهما يكتب باسمه الصريح والآخرون بأسماء مستعارة. وأضاف: الاسم المستعار لا يستحق أن نتحدث عنه لأنه غير مسؤول عما يقول، فهذه أسماء وهمية لسنا بصدد الحديث عنها لأنها غير مهمة أصلا، أما الأسماء الصريحة فليست كلها ذات اتجاه واحد، هناك شخصيات مسؤولة عما تقول. وهناك من يحاول فقط أن يثبت للناس أنه موجود سواء بالطعن في الثوابت الدينية أو الحديث في المحظورات. الإساءة للرموز يضيف المشوح: أتصور أن النقد في تويتر ساهم بشكل كبير في تصحيح كثير من القضايا، وذلك لا يعني أن هناك نسقا غير مسؤول وتجديفا على الثوابت من أناس عشقهم الإثارة أو أن يكونوا حديثي الساعة أو الشهرة، فهؤلاء من قصدهم الشيخ صالح بن حميد في خطبته التي خصصها للحديث عن هذا الموضوع الجمعة قبل الماضية. وذكر أن البعض يستخدم موقع تويتر للنيل من شخصيات معينة أو لتصفية حسابات مع آخرين أو إسقاط رموز معينة بطريقة فيها من الوقاحة الشيء الكثير. وهؤلاء للأسف يكونون محل أنظار المتابعين، لكن سرعان ما يلفهم النسيان، لأن الإنسان لا يرغب أن يستمر في متابعة من لا يجيد سوى الشتام والقذف، كما أن الزمن كفيل بتنقية عالم تويتر من هؤلاء. وأضاف: هناك أناس لا يستمع إليهم، ويتحدثون بتطرف حاد وكبير، يجدفون على الثوابت ويطعنون في العلماء بطريقة متطرفة لا يقبلها عاقل ولا إنسان ذو ذوق، وطرف آخر من الغلاة هوسه أن يبدع ويفسق ويكفر ويهدر دم فلان ويعتبر ذاك زنديقا وهذا عميلا. جرائم المعلوماتية عضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا وأستاذ القانون الجنائي الدكتور عبدالرزاق الفحل قال إن القانون والشرع والنظام تمنع المساس بالآخرين بأية وسيلة سواء طبيعية او اعتبارية طالما ان المدعي محق في دعواه، مبينا أن لأي أحد المطالبة بحقه إذا كانت الإساءة عبر الإنترنت. وبين أن المعيار في التعدي كتابة معلومات غير حقيقية أو أي أمر يعد تعديا وإساءة للآخرين وفيه امتهان لكرامتهم، وطالب بتفعيل نظام جرائم المعلوماتية بدقة وحجب ومنع التعديات والتجاوزات. أما أستاذ الإجراءات الجنائية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية سابقا الدكتور سعد بن ظفير العسيري فأوضح أن التطاول بالقذف يوجب تطبيق الحد الشرعي لافتا إلى أن الجهة المعنية في النظر في هذه الجرائم وفق نظام جرائم المعلوماتية هي هيئة التحقيق والادعاء العام، ويباشرها رجال الضبط الجنائي، في حين اختصاص النظر في هذه القضايا مشترك بين وزارة الإعلام وهيئة التحقيق والادعاء العام، كما تحال إلى المحكمة الجزائية فيما لو كانت الأدلة قوية وثابتة، أما لو كانت ضعيفة فيتم حفظ الدعوى. وقال العسيري إن الحرية المطلقة ليست في الدين الإسلامي، وإنما الحرية مقيدة، مؤكدا أن السب والشتم لا يدخلان في إطار الحرية.