يحتفل العالم اليوم بإلغاء الرق، ويؤكد من خلال الاحتفال بهذه المناسبة على ضرورة اتخاذ الدول لكافة السبل الكفيلة بالقضاء على أي مظهر من مظاهر الاتجار بالبشر، وما يمكن أن يتصل بها من استعباد الإنسان للإنسان وتحكمه في مصيره بأي صورة من الصور. وإذا كان العالم قد تجاوز منذ عقود الرق بمفهومه التاريخي الذي توارثته البشرية منذ فجر التاريخ، فإن الحياة المعاصرة وما تشهده من تعقيدات قد أفرزت أنواعا عديدة وجديدة من أساليب الرق التي تتخفى تحت مسميات مختلفة، غير أنها على اختلاف مسمياتها لا تخرج عن جوهر الرق المتمثل في مصادرة حرية الإنسان وسلبه حقه في تقرير مصيره واختيار نمط حياته وكيفية عيشه. غاب السيد القديم الذي كان يمتلك العبيد، وحضرت الشركات الكبرى التي تستعبد العاملين فيها وتتحكم في مصيرهم وتصادر حريتهم وتقوم بينهم وبينها عقود إذعان لا يرغمهم على القبول بها إلا حاجتهم إلى ما يوفر لهم لقمة العيش والمأوى، ولمواجهة هذا الضرب من الاستعباد تم سن القوانين والنظم الكفيلة بحفظ حقوق العمال وحمايتهم من إجحاف الشركات الكبرى واستغلالها لهم. غاب السيد القديم، وحضرت الأنظمة الديكتاتورية التي تستعبد شعوبها على نحو تحولت فيه بعض الأوطان إلى سجون جماعية، وتحول المواطنون فيها إلى عبيد إن فكروا في الخروج عن سياسة الحزب الحاكم أو طالبوا بأدنى حق لهم كان مصيرهم القتل والتشريد، وكان نصيب منازلهم الهدم والتدمير، ولعل خير مثال على ذلك ما يحصل للشعب السوري الشقيق الذي ظل عقودا مستعبدا، وحين طالب بحريته عامله من كان يتحكم بأمره بأسوأ مما كان يعامل به عبد فكر يوما أن يطالب بحريته. غاب السيد القديم، وحضر سادة جدد لا يرون الحق إلا ما هم عليه، فإن عن لأحد أن يستقل عنهم برأي أو يكون له في مسألة من المسائل وجهة نظر تخالف ما يرون اعتبروه مارقا وفاسقا وفاسدا، فهم وحدهم القادرون على التفكير والعارفون بظواهر الأمور وبواطنها، وما على الناس إلا أن يكونوا أتباعا مطيعين لهم مترسمين خطواتهم آخذين بما يأخذون به ويتركون ما هم له تاركون. يحتفل العالم اليوم بانتهاء الرق الظاهر منذ عقود، وقد يكون العالم محتاجا إلى عقود لكي يتحرر الإنسان من صور الرق الخفي. [email protected]