عندما تحين ساعة الحديث عن الانتقام تكثر الحكايات والقصص التي تصف ذلك الغضب غير المنتهي الذي يظل يتفجر في النفس كالبراكين، بل إنه يظل يتخمر ويتفاعل إلى أن ينتج عنه ما ندعوه الانتقام. وكلنا نعلم أن الانتقام هو مجرد شعور ناتج عن ظلم واقع، حصل منه ضرر مؤقت أو دائم، ما يترك أثرا سلبيا في نفس الإنسان المظلوم، وبالتالي تظل تلك النفس حائرة غاضبة مقهورة، لا تعرف كيف تنفس عن ذلك الشعور إلا بالانتقام الذي ترى فيه أخذا لحقها من الطرف الآخر. وفي ظل الحديث عن الانتقام، لا أستطيع أن أنسى قصة قصيرة للراحل نجيب محفوظ، حكى فيها عن رجل وجد زوجته تخونه مع رجل آخر فقتله ودخل السجن وتم الحكم عليه بمدة عشرين عاما، وطيلة تلك المدة لم يغب عنه شبح الانتقام، وظل يصور أشكال وألوان وأدوات العذاب الذي ستذوقه على يديه، وعندما خرج بحث عنها ووجدها ضعيفة، هشة، ومريضة لدرجة لم يبق لها شيء إلا الشفقة، حينها أدرك فداحة خطئه الأول، وهو القتل، وأدرك نكبته الثانية، وهي فكرة الانتقام التي سيطرت عليه وأعمت بصيرته لدرجة لم تجعله قادرا على التفكير السليم، والذي أعماه أيضا عن حقيقة بسيطة، وهي أن السنين تمر، والناس تتغير، وقد يمرضون أو يموتون. والواقع يحمل نماذج كثيرة من هذه الشخصيات، التى تظل تحمل حقدا أسود ورغبة عمياء في الانتقام، تنتهي بحقيقة مرة لا يستوعبها المرء، إلا بعد فوات الأوان، وهي عدم إدراكه أنه ينتقم من نفسه وليس من الآخر؛ لأنه ببساطة فقد قدرته على التمتع بالحياة الصحية التي تتمثل في صحة الجسد والروح، وفقد صفاء النفس، والذي من دونه يعكر العيش وتزيد صعوبات الحياة. ولو نظرنا للأمر من زاوية أخرى لوجدنا أن هذا المنتقم لا يملك أي مهارات تفكير سليم، فلو تعمقنا في التفكير لوجدنا أنه كان من الأسهل عليه أن يبدأ من جديد، ويعيد ما خسره، ويواجه من ظلمه بشجاعة، بدلا من أن يعيش الماضي في كل يوم حاضر، ولا ننسى أيضا أننا بهذه الطريقة نسمح للآخر بأن يجعلنا أعداء لأنفسنا، بينما يعيش هو في سعادة؛ لكونه تمكن مما أراد. قد يمنحنا الانتقام الشعور بالرضى لوقت ما، لكن عندما تحين ساعة الانتقام وينتهي نعرف أن ما قاتلنا من أجله لم يكن إلا سرابا، أخذ منا أكثر مما نملك، والأسوأ من كل ذلك حين نكتشف أن هذا هو الانتقام الحقيقي.