عوفيت يا سيدي والعالم سيتعافى بإذن الله وتقديره. في هذه الليلة الثانية عشرة من شهر محرم مطلع سنة ألف وأربعمائة وأربع وثلاثين هجرية، وأنت بحمد الله تتعافى من العملية الجراحية قد داويت جراح العالم ببلسم شفاء تركيبته الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، هذه الرسالة التي آمنت بها وتبنيتها وعشتها منذ أكثر من ثلاثين عاما، عشناها في أحلامك وآمالك ولمسناها في بصمتك التي حققتها على أرض الواقع. إن فكرة التعايش والتواصل والسلام بين البشر كانت شاغلك ومحور رؤياك للعالم بترسيخ أسس بداية مفهوم الحوار داخليا عام 2003م عندما أسستم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ثم دعيتم الأمة الإسلامية في مكةالمكرمة عام 2005م في القمة الاستثنائية وقدمتم مقترحكم المبارك واجتمعتم مع بابا الفاتيكان ثم نظمتم المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكةالمكرمة في يونيو 2008م، حضره أكثر من 500 عالم مسلم من جميع المذاهب الإسلامية، ثم مؤتمر مدريد العالمي للحوار في عام 2008م تحت رعايتكم الكريمة مع ملك إسبانيا بمشاركة أكثر من 300 قيادي من مختلف أتباع الأديان والثقافات؛ حاملا رسالة توجه الحوار إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين أتباع الأديان السماوية وتحقيق الأمن والسلام والتعايش السلمي بين البشر من مختلف الأديان والثقافات، وفي نوفمبر عام 2008م شددتم رحالكم إلى نيويورك حيث عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا عالي المستوى بدعوة من مقامكم الكريم، ثم ما تم إقراره في مؤتمري «فيينا» و«جنيف» في عام 2009م التي أكدت على دعم المبادرة لتحقيق أهدافكم لثقافة الحوار وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة بين الشعوب. هذه المسيرة توجها تأطيركم المؤسسي الذي يضمن لها الاستدامة بتوقيع اتفاقية تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في أكتوبر 2011م في «فيينا» بشراكة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا، ومشاركة الفاتيكان وممثلي أتباع الأديان والثقافات التزاما بمبادرتكم الإنسانية ودعوتكم المخلصة لاحترام كرامة الإنسان وتعزيز التعايش والاحترام ومكافحة العنف والتطرف وتعزيز دور الأسرة والأخلاق من خلال الوسطية والاعتدال والتنشئة السليمة. إن الإيمان الصادق الذي دفع بخادم الحرمين الشريفين لإيجاد حلول لإنقاذ البشرية من تحديات عدة هو الحاجة إلى بناء مؤسسات توثق العمل الإنساني وتدعمه وتسانده في العالم بأسره وفق أسس الصناعة الإعلامية والثقافية المشتركة المحضة من أية حسابات بشرية. فدعوته الخالصة لوجه الله كإمام للمسلمين وحامل لواء هذا الدين العظيم الذي أتى ليكمل الأديان ويرتقي بالإنسان الذي كرمه المولى على سائر المخلوقات ليحمل الأمانة ويؤدي الرسالة ويعمر الأرض ويحافظ عليها ويحميها، كانت إنقاذا للمجتمع الإنساني بتوفير قنوات آمنة للوصول إلى حلول لمشكلاته، والسعى إلى نشر قيم التسامح والمحبة والأمن والسلام والتعايش. إن رسالة عبدالله بن عبدالعزيز الإنسان نبعت وترسخت من فطرة، أساسها عقيدة ثابتة وصادقة مؤمنة بمسؤوليتها التي أمِنها عليها الخالق جل وعلا عندما مكنه أيده الله، من قيادة هذه الأمة فتحققت أحلام كبيرة في رجل كبير سخرها لوجه الله تعالى ثم لخدمة أخيه الإنسان دون أجندات أو أهداف شخصية لتتحقق أهدافها المنشودة متمثلة في هذا المشروع الحواري المحلي والعربي والإسلامي والعالمي. وفي السياق نفسه؛ نرى دور الحوار المحلي وتأثيره في بناء استراتيجية تطوير التعليم حيث كانت نتاجا لورش عمل حوارية دعا لها برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني؛ ليكون المحرك والمنسق للمشاركة على جميع المستويات بين العائلة والطلاب والمعلمين لبناء مستقبل الوطن بمفهوم رسالة(اقرأ)، وكان هذا الأساس لنصل بناشئتنا إلى مستوى من التعليم والتمكين الذي يرتقي بهم إلى حلمه الذي نراه قد تحقق في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا بيت الحكمة كما وصفها، رعاه الله، كما نلمس بصمته الحوارية ورسالته الإنسانية على أعلى مستوى في هذه الجامعة التي أساسها البحث لإيجاد حلول للإنسانية ومستقبلها؛ فالماء والغذاء والطاقة والبيئة؛ هي الركائز التي ينتقى لها من آلاف المتقدمين من النخب القادرة من جميع قارات العالم؛ حيث تضم الجامعة طلابا من أكثر من ستين جنسية تحت سقف العطاء والإبداع والابتكار والاختراع في حوار راق بمسؤولية عظيمة تجاه الإنسان ليعيش بأمن وأمان على هذه البسيطة. أما على مستوى العالم العربي فليس هناك أصدق مما أعلنه وصرح به المثقفون في «الجنادرية 13» أنك يا ابن عبدالعزيز الذي أمن سبل الحج قد أمنت العقول لتحضر وتتحاور في أمن وأمان، وهذه من بدايات الحوار، وعلى المستوى الإسلامي فدعوته أعزه الله لإقامة مركز إسلامي عالمي للحوار بين المذاهب المختلفة في المؤتمر الإسلامي بمكةالمكرمة في شهر رمضان المبارك عام 1433ه عسى أن يوفق الله ونجد العامل المشترك الذي يجمع ولا يفرق ويبني ولا يهدم ويسهل ولا يعسر للتعايش والتقارب والتآلف. كل هذا تطلع إليه، حفظه الله، طوال تلك السنين حالما ومحققا أهدافه السامية معتمدا على المولى عز وجل، متسلحا بإيمانه وعزيمته وإرادته وإخلاصه لدينه وأمته صابرا، متوكلا على ربه مذكرا نفسه بقول الحق ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [آل عمران:200] ها قد تحقق هدف عظيم لإنسان عظيم يريد به، وجه الله ومرضاته؛ خدمة لأخيه الإنسان على هذه المعمورة. أتذكر ذلك اليوم عندما تشرفت بسماع ما كان يفكر فيه وكان إحساسي وأنا أنصت إلى كلماته وهي تصور لي مانراه اليوم واقعًا ملموسًا في «فيينا» بعد أن توقفت عند حدودها رسالة قديمًا وها هي اليوم تدخلها بانية، مرحبًا ومحتفىً بها. دعائي أن يوفق الله مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بتوصيل رسالة الملك المصلح وأن يحمل مشعلها رجال ونساء، مخلصون، يمثلون أتباع أديان وثقافات، جميعهم مؤمنون بإيجاد حلول التعايش للإنسانية ومستقبلها بناء على ثوابت مشتركة بين البشر. متمنيا أن يجد المركز كل الدعم خصوصا من أبناء هذه الأرض الطيبة الحاضنة لجميع دعاة السلام على وجه هذه المعمورة. * وزير التربية والتعليم