عندما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، كان يدرك بحنكته السياسية وبعد نظره أن العالم بات بحاجة ماسة لحوار عقلاني يجمع كافة المفكرين والعقلاء من أتباع الديانات والثقافات المختلفة على طاولة حوار واحدة، لا مكان فيها للتطرف ولا لإقصاء الآخر ولا للتمييز بين الناس على أساس عقيدتهم وأعراقهم. كان البعض يرى في المبادرة ما يشبه الأحلام العصية على الواقع المليء بالحروب والنزاعات والتجاذبات الأيدولوجية والفكرية والسياسية التي تفرق أكثر مما تجمع، وتوتر أكثر مما تهدئ، وتشعل فتيل الحروب أكثر مما تنزع، لكن العزيمة والإصرار والنية الصادقة لدى الملك الصالح الذي لطالما آمن أن سلام العالم يكمن في التعايش والحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات المختلفة بطول وعرض المعمورة كانت أكبر من أن تثبط أو تحبط، فنقل رؤيته العميقة لكل العالم في مدريد 2008م، ولاقت مبادرته العظيمة صدى إيجابيا في كل الدنيا، وتوجت جهود خادم الحرمين الشريفين في التأسيس لحوار عالمي بين أتباع الأديان والثقافات بمصادقة الجمعية العمومية لمنظمة الأممالمتحدة في نفس العام، مؤكدة على أن التفاهم المتبادل والحوار بين أتباع الأديان والثقافات يشكلان بعدين مهمين للحوار فيما بين الحضارات وترسيخ مفهوم السلام. وفي العام الذي يليه شكل المؤتمر العالمي للحوار في فيينا لجنة لمتابعة المبادرة، ووضع الأسس اللازمة لتفعيلها، ودراسة الآلية التي يمكن بها تأسيس مركز عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وفي 2009م دعم مؤتمر جنيف المبادرة، وفي 2011م قامت المملكة والنمسا وإسبانيا، إدراكا لأهمية الحوار، وبناء على مبادرة خادم الحرمين الشريفين، بتوقيع اتفاقية تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (KAICIID) في فيينا. واليوم الاثنين 12 المحرم 1434ه الموافق 26 نوفمبر 2012م، يتحقق الحلم ويتفوق على مرارة الواقع، ويبدأ العالم تاريخا جديدا صنعه ملك إنسان حمل هم الإنسانية بن جنبيه، ليثبت للعالم أن مبادرته تنطلق من إيمان حقيقي وعميق بضرورة التعايش السلمي بين أتباع الديانات لتنعم البشرية بالسلام الدائم والمنشود، وأنه المخرج الوحيد للبشرية للخروج بالإنسانية من مستقبل مظلم، ما لم يتفق الجميع على قواسم مشتركة عظمى للتعايش فيما بينهم، وتأجيل كل القضايا الخلافية حتى يتم الاتفاق على بناء ثقافة تعايشية تشكل مستقبلا قاعدة أساسية للحوار حول قضايا الخلاف وحلها بمنظور جديد يغلب الاتفاق على الفرقة، والسلام على الحرب، اليوم تشهد العاصمة النمساوية فيينا انطلاق مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، واليوم يشهد العالم على المكانة العظيمة التي قدرها الله عز وجل لهذه البلاد كمنطلق للرسالة، والخير العظيم الذي قيضه الله لها بهذا الملك الإنسان، اليوم يصنع التاريخ.