لا يمكن لليمن أن يتجاوز تناقضاته المتراكمة من خلال تعميق الانقسامات التي تتسع كل يوم وتأصيل الفرز السياسي والمذهبي الذي تنتجه القوى المتنازعة، فهذا الأمر وظيفته إشعال نار الخلاف حتى على القضايا التي يجمع عليها أغلب اليمنيين، وهذا لا محالة سيقود الجميع إلى البحث عن مخرج من خلال فكرة الحرب وهي التجسيد الأعلى لسياسة الفشل التي ينتجها تاريخ الدولة الحديثة. وللخروج من المأزق في ظل تشعب الانقسامات وتوسع النزاع يحتاج أبناء اليمن إلى بناء كتلة متماسكة وواسعة تشكلها القوى المدنية تبدأ بنواة يكون هدفها بناء لحمة قوية من خلال المشروع المدني الذي سيتمكن في حالة تم بناؤه وصياغة أهدافه بوضوح من هضم التناقضات وتحويلها إلى قوة إيجابية نافعة ومساندة للفكرة المدنية، هذه الكتلة التاريخية إن تم إنتاجها بتقنيات مراهنة على المستقبل ستحول الانقسام الأفقي والرأسي إلى تنوع إيجابي مساند لبناء دولة القانون، وسوف تساعد القوى المختلفة على خلق تسويات مراهنة على القيم والمبادئ المدنية وتأسيس دولة القانون. ومن المهم الانتباه إلى أن الكتلة المدنية ستعمل على حماية التوازنات التي تخلقت بفعل الصراع السياسي وستمكن الأطراف من فهم أبعادها الاجتماعية ومصالحها الاقتصادية، وستؤسس لقبول التكوينات المختلفة مهما كان حجمها، وهذا الأمر سيسهم في تدعيم التحول الديمقراطي وتجعله واقعا لا مفر منه، مع ملاحظة أن المحاولات التي تحاول تعميم القوة حتى باسم الثورة ليست إلا المعوق الأكبر لإفشال فكرة بناء الدولة وإعاقة الشعب من بناء مشروعه الوطني المدني، ولن يقف في وجهها ويعقلن من تهورها غير بناء الكتلة التاريخية المدنية. المشكلة التي تواجه بناء كتلة تاريخية هي أن القوى المدنية حتى اللحظة لم تستوعب وظيفتها التاريخية على مستوى الدور والوظيفة ولم تحدد ملامح المشروع، كما أنها لم تتمكن من إعادة اختراع الواقع الذي تتحدث عنه، بل أنها تحولت إلى فاعل يتم اختراعه في سياقات تناقض وتناهض الفلسفة التي تؤسس لمقولاتها والتي ترددها عبر خطابها.