لم تكن الانتفاضة الشبابية في اليمن إلا تعبيرا عن الحلم الذي يراود الجيل الجديد بحياة مدنية، ودولة قوية محكومة بالقانون، فالمظاهر الشكلية للدولة فقدت معناها في ظل هيمنة الوعي القبلي، وغياب القانون، وهيمنة مراكز القوى القبلية والعسكرية والتجارية، فقد تحالفت هذه القوى، وأنتجت الفساد وجعلته المؤسسة الراسخة التي تدير مؤسسات الحكم، ولم يكن صانع القرار الأول إلا الواجهة المتحكمة والتي من خلالها تم نسج تحالفات متناقضة لاستمرار السيطرة على مقاليد الأمور. بعد انتخابات 2006م حاول صالح أن يعيد صياغة تحالفات جديدة لبناء دولة تمكنه من فرض هيمنة كلية، وهذا أخل بالتوازنات التي بناها مما أخاف القوى المختلفة التي شكلت نظامه فقادت معركة شرسة ضده مازالت مفاعيلها تجري حتى اللحظة، ومآلاتها النهائية ستنتهي في اتجاهين لا ثالث لهما: إما الفوضى وخسارة كل الأطراف لمصالحها التي كونتها، أو بناء دولة تحد من هيمنة مراكز القوى، وتعيد ترتيب القوة وفق قواعد محايدة تحكم الجميع. وقوة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أنها ستعيد تركيبة القوة لصالح الدولة إن راهن أبناء اليمن على المستقبل، فالانقسام الحاد في بنية النظام السابق خلق توازنا بين الأطراف التي شكلت نظام صالح، وساعد على نمو أطراف جديدة في اللعبة السياسية متحالفة مع إحد القوى أو مستقلة، والأهم أن التحولات قد تفرز كتلة جديدة منافسة لوجهي نظام صالح. الإشكالية في ظل التوافق الحالي أن دوائر محيطة بالرئيس هادي تحاول الإخلال بالتوازن، وهذا قد يؤدي إلى إضعاف التغيير وربما إنتاج حرب تعيق التحول. يمثل الحوار المحور الأكثر أهمية في إنجاز التغيير، والمدخل الأكثر خطورة فالقضايا التي سيتناولها الحوار معقدة ومتشابكة، والاختلاف حولها شديد، فالحوار إن لم يضع خارطة طريق مرنة فقد يفجر عنفا ربما ينسف السلام الذي أسست له المبادرة الخليجية، فالمسألة الجنوبية، وقضية صعدة، ومعالجة ما أنتجته الاحتجاجات مثلا يبدو أن حسمها مستحيل؛ لذا فإن تفكيكها وترميمها والتركيز على بناء القواعد المحايدة من خلال الهندسة الدستورية يشكل إنجازا تاريخيا، وبداية لخروج اليمن من عنق الزجاجة.