شاع استخدام مصطلح الحوسبة السحابية حتى كاد الناس أن ينسوا السحاب الحقيقي الذي نراه في السماء، وذلك بسبب الحملات التسويقية الهائلة التي صاحبت ظهور المصطلح خلال الأعوام الماضية، وكان الحديث عن أي سحابة في أوساط العاملين والمستخدمين لتقنية المعلومات ينصرف مباشرة إلى السحابة الحوسبية، وكان الحديث عنها بعدم اهتمام أو عدم احترام يعد خطيئة كبرى، كما أن رفضها على الإطلاق كان يعني أن المؤسسة الرافضة لها إنما تسعى للانتحار. لقد دفعت الضجة التي صاحبت مفهوم الحوسبة السحابية مسؤولي التسويق في الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات إلى أن يحاولوا بالحق أو بالباطل إضفاء مفهوم الحوسبة السحابية على كل الخدمات التي يتم تقديمها للعملاء عن بعد، وهو ما دفع شركة مثل آبل أن تستبدل ما كان يسمى ب MobileMe؛ لكي تعلن عن icloud في عام 2011، والذي يقوم في جوهره بما كان يقدمه MobileMe، وهي مساحة تخزينية هائلة تسمح لمستخدميها بتخزين الملفات والتطبيقات عليها من خلال الإنترنت، ثم إعادة تحميلها على أجهزتهم الشخصية عندما يرغبون في ذلك. وعلى نقيض ذلك، فقد دفعت نفس الضجة بعض الشركات إلى تخليص منتجاتها من براثن الحملات التسويقية «المشبوهة» التي تطلق كلمة «سحابية» على كل شيء، وذلك بطرح مصطلحات أكثر دقة لمفهوم الحوسبة السحابية، مثل ما طرحته شركة VMware الشركة الرائدة في مجال البرمجيات الافتراضية حيث نأت بنفسها عن المنتجات «السحابية» التي استهلكها السوق، وأطلقت على نظامها اسم Software- Defined Datacenter، حيث يتم وضع كل البنى التحتية والخدمات البرمجية في مركز البيانات، ثم يتم تقديمها للمستخدمين والتحكم فيها آليا بواسطة البرمجيات. وهو نفس مفهوم الحوسبة السحابية، ولكن تحت اسم جديد. والآن، بعد أن راحت السكرة وجاءت الفكرة، فقد خفتت الضجة التي تروج للحوسبة السحابية حتى أن محللي شركة جارتنر الشركة الرائدة في إجراء البحوث التحليلية لصناعة تكنولوجيا المعلومات يرون أن الحوسبة السحابية قد عبرت مرحلة الضجيج التسويقي الذي صاحب ظهورها، وأنها الآن تجتر خيبة الأمل، ويرون أن ذلك يعتبر نتيجة متوقعة لمن يسعى للحصول على ربح سريع على المدى القصير، دون أن يطرح بدائل متوازنة مع متطلبات بيئات العمل المختلفة في المؤسسات، ودون أن يكون صريحا كما ينبغي، بحيث يخبر عملاءه متى يمكن أن تكون حلول الحوسبة السحابية صالحة للمؤسسة، ومتى يظن أنها لا تصلح، ودون أن يوضح بأمانة أن الخيار الأرخص قد يفتقر لبعض الميزات الضرورية للعمل. لقد كان سهلا في ظل الظروف التجارية الصعبة أن يتم إغراء متخذي القرار في الشركات المنتجة للتقنية بأن أمامهم فرصا لإنتاج ما هو أفضل وأرخص بمفهوم الحوسبة السحابية، وذلك دون حاجة للاختبار العملي لتلك المنتجات في بيئة العمل الفعلية. إلا أن الاختبار الفعلي لتلك المنتجات قد واجه العديد من الصعوبات، مثل الصعوبات التي تكتنف تحويل العمل في مكتب أو إدارة أو مؤسسة إلى الاعتماد على بريد جوجل Gmail، أو نقل المجلدات من مزود الملفات إلى محرر مستندات جوجل، وهي صعوبات لم يكن يتوقعها العملاء الذين كانوا ينتظرون الحصول على الفوائد الإضافية والتكلفة المنخفضة، حسب ما وعدتهم به الحملات التسويقية للحوسبة السحابية. ويتعلق هذا الأمر على وجه الخصوص بالمؤسسات الصغيرة التي بها أقل من 500 جهاز حاسوبي. وعلى النقيض من رأي محللي جارتنر، يرى بعض الخبراء أنه وإن كان صحيحا أن ضجيج الحوسبة السحابية قد خفت بالفعل، وأنه سينتهي قريبا، فإن ذلك ليس بسبب أنها ليست بالأهمية التي شاعت حولها، أو لأن مبادئها ليست في صالح العمل، ولكن بسبب أنها تنتشر وتتغلغل في كل مناحي الأعمال، بحيث ستصبح في وقت قريب من البديهيات التي لا يتطرق إليها الحديث. إلا أن الأمر الذي لا شك فيه هو أن اتباع مفهوم الحوسبة السحابية ليس كله سرابا، وإنما سيظل ذا فائدة كبيرة وتكلفة منخفضة في العديد من الحالات، بحيث أن كثيرا من المستخدمين سيجدون بالفعل كل متطلباتهم من البريد الإلكتروني موجودة في Gmail، وبتكلفة زهيدة مقارنة بتكلفة Microsoft Exchange. إلا أنه لا شك أيضا في أن الأمور التي تتعلق بأمن المعلومات أو بالخصوصية أو باللوائح التنظيمية الداخلية ستظل من العوائق التي تحول دون تبني مفاهيم الحوسبة السحابية في العديد من المؤسسات، وهو ما يمكن تجاوزه إذا تم طرح حلول لإرسال البيانات إلى السحابة الحوسبية دون التعرض للمخاطر، وهي حلول تشبه في جوهرها ما يتم استخدامه لحماية بيانات البطاقات الائتمانية عند استخدامها على الإنترنت. خلاصة الأمر هي أن مصطلح «الحوسبة السحابية» قد خفت ضجيجه إلى حد بعيد، ولن يكون هو الأول في سلسلة الأسماء الطنانة التي ظهرت في عالم تقنية المعلومات للترويج التسويقي لما هو موجود بالفعل، والتي سرعان ما اندثرت بعد ذلك، مثل data warehouse و information superhighway، وغيرها. (*) أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى