محمد موافي.. كاتب ومذيع مصري، يكتب بلغة الناس بأسلوبه الساخر المعروف عنه، وعندما التقيته في القاهرة سألته: لماذا تتخذ هذا الأسلوب في الكتابة؟!، قال: لا دخل لي فيما يأتي من مصطلحات ساخرة في مقالاتي، هي تأتي ولا أدري من أين تأتي، ربما هو الواقع الذي نحياه، أو ربما هي صفة مصر منذ مئات السنين، التي جعلتها بلد التناقضات، فتجعلك فجأة «مش فاهم حاجة»، حتى المتنبي لما زار مصر ونصب عليه كافور الإخشيدي، قال: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا ومع ذلك، فهو يعتبر أن الأسلوب الساخر ليس هدفا، موضحا «يفرض نفسه حسب الموضوع، بمعنى تتأمل أفعال أو تصريحات بعض الساسة تجد نفسك مسحوبا لكتاب الحيوان للجاحظ، أو تجد نفسك غارقا في الضحك، أو تجد قلمك يكتب ويكتب فقط. وحينما تجد جاهلا يتعمد السخرية من أصول وأساسيات ومسلمات ومعلومات من الدين بالضرورة، فلا تملك إلا أن تقابله بنفس سلاحه، وإذا أخلصت النية أغرقته في شبر ميه». ويضيف بقوله: صدقني أخي الكريم؛ الكاتب الذي يصل إلى الناس، هو من يتحدث بلغة الناس، هو من يكتب المقال كأنما يكتب قصيدة بدون تفكير، دفعة واحدة. لكن هنا نقطة مهمة؛ أنا لا أصنف نفسي من الساخرين إن صحت الكلمة فلكل مقام مقال، ولكل هم بيان، فقط أنا أكتب ما يأتي دون أن أسأل: كيف أتى وكيف يصاغ؟. القاعدة الأولى التي أرددها لنفسي: أن ما يخرج من القلب فمحله القلوب. ضرب من التوهان وهل هذا الأسلوب الساخر موجود في حياتك الخاصة والعامة كما يوجد في بعض مقالاتك؟. ربما، فبعض المحيطين بي أراهم يبتسمون لبعض كلماتي على المقهى، ولا أعرف لماذا يبتسمون، أعتقد أنني أنظر إلى الصورة المحيطة فأفتش فيها بالفطرة عن نقاط لا يلتفت إليها كثيرون. خذ مثلا: أكثر الأغنيات انتشارا بعد الثورة؛ أغنية العبقري حمادة هلال، «قال إيه قال: شهداء خمسة وعشرين يناير ماتوا في أحداث يناير، طب بذمتك أليس هذا من الهم الذي يبكي»، يعني سر أسرار الثورة أن شهداء الثورة ماتوا في الثورة، يعني قتلى لندن ماتوا في أحداث لندن، يعني ثورة 19 حدثت سنة 19، وبالله عليك كيف أمسك نفسي، وجدتني أكتب مقالا بعنوان «الأغنية ده فيها فيل» ووجدتني أستلهم روح الشاعر العبيط الذي قال: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء هذا الشعب المصري سر عبقريته ليست في الإهرامات ولا العقاد ولا الرافعي، بل السر تجده في كلام العامة، في تصرفاتهم التي يحسبها الجاهل ضربا من التوهان، وهي قمة التركيز في الابتعاد عن واقع التركيز، لأن الواقع مر. وعندما فكرت في إحدى المرات أن أكتب مقالا عن نسيان الإخوان لأصدقائهم، كتبت معلقة ثم قطعتها لأن سائق «توك توك» وجدته بليغا كاتبا على قفا «توك توكه»، و«يا بخت من كان صاحبه راجل». دعني أسألك وأرجو منك جوابا صريحا.. أين كنت وقت الثورة؟ الحمد لله الذي رزقني بالحج قبل الثورة بشهرين، وفي الحرم المكي فوجئت برجل أفريقي يقرأ ويتلعثم، ويقول: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم)، تنبهت وكأني لم اسمع هذه الآية التي أحفظها وأحفظ سورتها عن ظهر قلب، وخفت ألا يكمل القراءة لأني أريد أن أعرف ماذا يفعل الخائف على ذريته، فقال ربي عز وجل: (فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا). صدقني أخي الكريم. بعدها قلت وأقسمت ألا أقول غير ما أراه سديدا، وقبل الثورة بثلاثة أيام شعرت بوجع خفيف في الظهر، فأخذت إجازة مرضية وجلست ببيتي، وكتبت مقالا هو الأول لي بعد الثورة وأثناء الثورة بعنوان «ألا وشهادة الزور» انقلبت علي بسببه كل قيادات المبنى العتيق، فحمدت الله أني لم أشهد زورا. لست إخوانيا على سيرة الإخوان، كتاباتك عنهم مرة ضدهم وأخرى معهم، مع أن البعض اتهمك أنك منهم أو متعاطف معهم، بماذا ترد؟. الحمد الله أني لست إخوانيا ولا منتميا لأي فصيل أو حزب أو جماعة ولن أكون، فهذه الأمة لم تصبها الأمراض إلا بعد انتشار المسميات والجماعات، أنا مسلم وكفى، على دين أبي وأمي على الفطرة، أقرأ القرآن وأطالع السنة، وأبحث عن الفتوى لو ظهرت أمامي مشكلة، أحب الصالحين ولست منهم. أنا كتبت «لماذا الله أكبر ولله الحمد» حينما رأيت أن الوقوف مع مرسي في الانتخابات واجب، وكتبت عن بعض التصرفات غير المسؤولة والتصريحات الموتورة لبعض المحسوبين على الإخوان من دعاة عاشقي الكاميرا، لما رأيت أن خطر هؤلاء ظاهر، قل الحق ولا تنظر للناس، قل الحق وسينصرك الحق، «يعني بالله عليك هل لو صفقت لمرسي وهو يترضى عن الصحابة أمام الملالي وأبناء الموالي أأكون إخوانيا؟!». نفس المنطق حينما تهاجم جرائم إيران ومساندتها الطائفية لبشار، يتهمونك على الفور بأنك بوق للسعودية، ويا سلام لو كتبت بعدها مقالا عن قلة أدب الاعتداء على السفارة السعودية.. الحق أحق أن يتبع، والأدب فضلوه على العلم، والعلم شحيح هذه الأيام، وهذه أيام المسخ وزمن الرويبضة. أنا مع الرئيس المنتخب، مع السلطان الشرعي الذي أعتبر أن نجاحه نجاح لمصر، وأنا بالمرصاد لأي خطر من ألسنة وأفعال الإخوان والسلفيين وغيرهم، فهذه أمانة النصح. بين طريقين كمذيع في التلفزيون المصري، ما التغييرات الحادثة في التلفزيون الرسمي بعد ثورة 25 يناير؟. لا شيء، «شالوا ألضو حطو شاهين»، التلفزيون المصري الرسمي نجح بامتياز خلال ثلاثين عاما في أن يصبح جراجا للموظفين، الموظف يبحث دائما عما يرضي سيده، وأنا شاهد أن الرئيس السابق مبارك لم يطلب من أحد أن ينافقه، ولا أن يتحدث عن عبقرياته ومشاريعه المزعومة، لكن كنت تجد مذيعا يتطوع لإرضائه، يتطوع للنفاق دون مقابل. ولما قامت الثورة، ظل المذيعون بين طريقين كلاهما مسدود مسدود، ففريق اعتبر أن شباب الثورة والائتلافات الكثيرة هي الحاكم بأمر الله، فراحوا ينافقونها ويمدحون الشباب ويتغزلون بعبقريتهم، مع أن نصف الذين يظهرون على الشاشات يتحدثون باسم الثورة هم الذين ذكرهم المطرب عدوية في رائعته «زحمة يا دنيا زحمة»، يعني مجرد عوام هوام لا قيمة لكثير منهم، يعني «من الصائعين»، بل هم أنفسهم الذين كان يحشرهم الحزب الوطني للتصفيق لمبارك. أما الفريق الثاني، فقد اعتبر أن المجلس العسكري هو الحاكم الفعلي وبيده مقاليد الأمور، فراحوا ينافقون المجلس «عمال على بطال». هؤلاء تربوا ليكونوا عبيدا متطوعين، ومصر تفتقد الإعلامي الذي يقول الحق دونما اتجاه، دونما حسابات، الذي يصفق للمحسن ويقول للغولة عينك حمرا. وأعتقد أن التلفزيون المصري لن يعود قريبا، وعلى العموم، فحاله أفضل بمراحل من معظم الفضائيات التي صارت موطنا لكائنات الثرثرة الليلية المسماة بالتوك توك شو. فراغ في فراغ لكن، ماذا تقول في ظهور مذيعة محجبة في أخبار التلفزيون التي أوجدت جدلا واسعا؟. أي حاجة في مصر تحدث تثير جدلا، هذا من الفراغ، نحن شعب يعاني من الفراغ، والمذيعة المذكورة هي بنت شرعية لمبنى ماسبيرو، لم تأته بالواسطة، ولا هبطت عليه ب «الباراشوت»، وهي مذيعة محترمة، وتحسن القراءة، فالعبرة بالمهنية والاحتراف، أنا شخصيا فكرت أن أطلق لحيتي، وخفت من أن يقولوا «بيركب الموجة». معارضة مدفوعة بعض وسائل الإعلام الخاصة هاجمت الرئيس والحكومة.. في رأيك عن ماذا ينم ذلك؟. فتش عن السبوبة عن أكل العيش، وآه، المعارضة وما أدراك ما المعارضة؟ المعارضة يا صديقي في مصر صارت مهنة، طيب أنا مرة سالت أحدهم: هل تعتقد أن التاريخ سيكتب لمبارك أنه الرئيس الذي صار كل معارض في عصره مليونيرا؟. خذ مثلا: أشهر مقدمي البرامج في التلفزيون المصري تم منع حلقة له قبل سبع سنوات، فقلنا إن الدنيا ضاقت عليه مع أنها صارت واسعة جدا، فقدم على الفور برنامجا في تلفزيون دبي، وبدلا من الجنيهات صار راتبه في حلقات أربع مائة ألف دولار، ثم طلب مبارك من أصدقائه التضييق عليه، فوسعت أكثر، ومن دبي ذهب لصديقه القذافي، وهات يا دولارات، وبعدها مؤتمرات عند بشار و هات يا دولارات، ثم برنامج في تلفزيون حزب الله، وخذ يا كبير ما تريد من مال، ومثله أشهر رؤساء التحرير في مصر، استطاع بمعارضته جني أرباح بالملايين، ولما قامت الثورة، أصبح أمثال هؤلاء في ورطة، فهم قد أدمنوا المعارضة، صارت لقمة عيشهم، صارت بضاعتهم، يعني لو راح مرسي الصين يصرخون بأن هذا يغضب واشنطن، وإذا عرج مرسي على طهران وترضى على الصحابة الكرام، قالوا هذا بإيعاز من واشنطن. المعارضة مطلوبة ونحن نمارسها، لكن ضمن حدود الرغبة في الإصلاح وبنية نفع الناس، وتقديم النصيحة لأئمة الناس وعامتهم. لكن المشكلة الكبيرة أنه في حال جماعة الإخوان، المعارضة هي الطريق لكسب المناصب، فهؤلاء لا يعطون أحدا إلا من يريدون اتقاء شره، أما الغلابة المخلصون، فلا أحد ينبته لهم، الإخوان يتعاملون بمبدأ «المؤلفة قلوبهم». حرية الصحافة الرئيس الدكتور محمد مرسي أصدر قرارا بإلغاء الحبس الاحتياطي للإعلاميين، ولكن بعضهم يطالب أيضا بإلغاء الحبس كليا للإعلاميين واستبدالها بالعقوبات المالية، ما وجهة نظرك كإعلامي وكاتب؟. إلغاء الحبس الاحتياطي لا يعني الإدانة، الحبس لو صدر حكم محكمة، كانت محاولة للتهدئة، لكن للأسف هناك من يطمع بسبب ذلك، وينجح في الابتزاز. أنا عارضت ذلك تماما، فالسب والقذف في الشارع أقل ضررا من السب والقذف على صفحات الجرائد والفضائيات، ثم إن أي مجتمع صالح طبيعي صحيح لا بد ألا يكون لأحد فيه حصانة غير أولي الأمر من الحاكم والقضاء في حدود عمل القضاء، وإلا فسيكون لدينا قبيلة تحمل على رأسها ريشة باسم حرية الصحافة. المخطئ يحاسب، ثم إن الصحافيين الذين يرفضون رقابة القانون هم عجزة ومحدودو الموهبة، لو تملك الموهبة لاستطعت أن تأتي بخصمك لمس أكتاف على الأرض دون كلمة واحد نابية أو خارجة. لكن هناك من يخلط بين حرية الرأي والإسفاف في الرأي، مثل ما تفعله بعض الفضائيات، كيف يمكن التفريق بين الاثنين؟. ما ينفع الناس، يبقى وتدركه الناس، وما لا فيذهب في الفضاء كالزبد على وجه الماء، سوق الإعلام في مصر هو أكبر سوق مفتوحة لغسل الأموال، وغسل الذمم أيضا. عدت للتلفزيون برنامج «صباح الخير يا مصر» ظل محتفظا بجماهيريته طوال ال 15 عاما منذ بدايته، رغم وجود برامج مماثلة جديدة في عدة فضائيات.. في نظرك وبحيادية تامة ما سبب ذلك؟. صباح الخير يا مصر ظل هو نافذة يرى منها المصريون في الخارج مصر، فهؤلاء تذبحهم الغربة، وفي الفترة التي عملت فيها بصباح الخير يا مصر استطعنا الخروج للشارع، حاولنا أن تكون مصر كلها في البرنامج، بعد أن ظل فترة هو صباح الخير يا قاهرة. أما الآن فهو خارج المنافسة، فقد أهلكته روح التقاتل والصراع داخل مبنى ماسبيرو العجوز، وبالمناسبة، أنا تركته قبل شهور، ثم دخلت في بيات شتوي نسميه إجازة بدون مرتب، ثم عدت الأسبوع الماضي وأحاول بإذن الله الترتيب لبرنامج تك شو على الفضائية المصرية. الفضائيات الخاصة ولماذا عدت إلى التلفزيون الرسمي وأنت تعرف أن الأجور التي يحصل عليها مذيعو القنوات الخاصة أكثر بكثير، ولماذا لم تفكر في الالتحاق بإحدى هذه القنوات؟. سامحك الله على نبش الوجع، فتش عن الشللية، فتش عن جماعات المصلحة، ربما هناك من يخاف مني، أنا خضت تجربة في قناة جديدة وأخذت إجازة عام بدون مرتب، وتم النصب علي ولم أقبض جنيها واحدا، ولأني لا أجيد طرق الأبواب فلا ينتبه إلي أحد، والحمد لله، فطالما أن ستر الله مصبوغ علي وعلى بيتي فلا مشكلة، الرزق سيأتي. وبالمناسبة أنا بدأت عملي في الإذاعة المصرية، وبدون ترتيب وجدتني أعمل لمدة ثلاث سنوات في هيئة الإذاعة البريطانية ال «بي بي سي»، وبعدها سافرت للكويت وعملت مذيعا للنشرة ومقدما لبرنامج المراقب على تلفزيون الراي، ثم عدت لقطاع الأخبار، وحاولت الكتابة الصحفية فتم منعي، وبعد الثورة أتيحت لي فرصة كريمة، ساقها الرب الكريم. أنا أعتقد أنها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها. دعني أتحدث معك بصراحة، البعض من ضيوفك في برنامج «صباح الخير يا مصر» قبل الثورة كان لهم تقديرهم لك، وبعد الثورة أصبحوا من «الفلول».. هل هذا يعد تناقضا في الرأي؟ والله، يا أخي، بعضهم كانوا عندي فلولا قبل الثورة وبعدها، وبعضهم كانوا محترمين قبلها وبعدها، المشكلة أن التعميم هو سيد الموقف. يعني أنا هاجمت رئيس تحرير روز اليوسف يوم كانت لسان الحزب الوطني، ودافعت عن بعض رموز النظام السابق لأني أعرف أنهم محترمون كوزير الكهرباء السابق. أحزاب ورقية ككاتب وناقد.. ماذا يجب على الأحزاب المصرية عمله لحوار وطني لنهضة مصر؟. السكوت والصمت، هؤلاء كأهل المغنى الذين صدعونا، المطلوب منهم دقيقة عمل، دقيقة سكوت لله، والله يرحم بيرم التونسي لما قال: «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا، دقيقة سكوت لله، ده إحنا شبعنا كلام ماله معنى، يا عين ويا ليل ويا آه»، ليس بمصر أحزاب، هناك جماعة أو اثنتان لبست ثوب الحزب كالإخوان والسلفيين، لكن الباقي أحزاب من ورق، أحزاب كرتونية، تجد أحد الأحزاب يطلق شعاره «حزب مننا» ولما تتأمل تجد لسانك يصرخ بل «حزب خمنا».