أشرت بمقالي السابق عن مدائن صالح (الحجر) إلى أنها لم تكن في يوم ما تتساءل أو تناقش أو تجادل في مسألة التحريم، ولم ينشغل سكان الحجر الأصليون بهذه المسألة ولم يجادلوا في تفاصيلها، لكنه في العام 1392ه عندما صدرت الفتوى آنذاك، والتي نصت على عدم الإحياء والسكن في منطقة مدائن صالح.. كان ذلك العام بمثابة تحول كبير ومرحلة جديدة في حياة أناس وجدوا أنفسهم أمام مرحلة متغيرة وفتوى شرعية رسمت علاقة جديدة لأهل الحجر مع المكان الذي تفرعت فيه قاماتهم ونمت فيه أحلامهم ليكتشفوا أن ذلك المكان أصبح محاطا بالمحاذير والتحريم والقلق، ورغم أن الرأي الديني القائل بالتحريم لم يستند إلى رأي علمي لأهل الاختصاص من علماء الآثار، وربما لعدم وجود طروحات وبحوث علمية متخصصة في الآثار في ذلك الوقت في وقت ظهور الفتوى، لكن المنطقة قد تم تحديدها وتم الاتفاق والجزم حينها بأنها منطقة العذاب والصيحة التي حلت بقوم ثمود، فتم منع السكن بجوارها وتم إخراج سكانها من بيوتهم ومزارعهم وقدمت الدولة تعويضات مادية مجزية لهم، وهي التي كانت تنضح بالحياة وبقيت بيوت الطين وأشجار الأثل والنخيل والدوم تحتفظ بحكايات طاعنة في الجمال والعذوبة، ولعلنا نقف عند حديث الدكتور فرج الله أحمد يوسف في تصريحه المنشور في صحيفة الشرق الأوسط: «إن كل الواجهات المنحوتة في الحجر هي مقابر نبطية، وأقدم تأريخ لواجهة منحوتة بها يعود لسنة 100 قبل الميلاد، وليس لهذه الواجهات المنحوتة أي صلة بقوم ثمود الذين ينسبون للنبي صالح ممن حل عليهم العذاب»، ويأتي رأي عالم الآثار الدكتور خالد أسكوبي من وكالة الآثار والسياحة نافيا القول بثمودية المكان المختلف عليه بقوله: «من خلال دراستي العلمية لم أسمع برأي يقول ذلك، وهو رأي اجتهادي وليس علميا»، بينما يؤكد الدكتور سامر السحلة أستاذ الآثار في تصريح منشور له بقوله «لم يوجد دليل علمي أو معطيات أثرية حتى الآن تعود للثموديين المعروفين بأنهم قوم صالح، وكل الأدلة تعود للحيانيين والديدانين والأنباط الذين سكنوا المنطقة فقط». ويضاف لتلك الآراء العلمية المتخصصة رأي عالم الآثار السعودي المعروف الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، في تصريح معروف له، أن مدائن صالح في أساسها لم تنسب للنبي صالح، وإنما لرجل اسمه صالح من بني العباس بن عبدالمطلب نسبت إليه في القرن الثامن الهجري. وتأتي زيارة عضو هيئه كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع الذي زار مدائن صالح والعلا مع اللجنة الدائمة للإفتاء، لتحديد موقع مدائن صالح، وأنه حث على فتحها للناس لتكون مصدر رزق للفقراء منهم، مبديا استعداده للذهاب مع وفد السياحة لتحديد المواقع التي تم الوقوف عليها، إذن، نحن أمام رأي ديني مهم قرأ كل المتغيرات. وأخيرا أن هيئة كبار العلماء وعلماء الآثار والهيئة العامة للسياحة والآثار مطالبون اليوم بالوقوف من جديد على أرض الحجر مدائن صالح لحسم الجدل حول مسألة التحريم للمواقع التي تم تحديها سابقا، وعلى علماء الآثار ضرورة الوصول علميا إلى ذلك المكان الذي عاش فيه الثموديون؟. [email protected]