تحاول المملكة منذ مدة طويلة استقطاب وجذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فيها؛ وذلك لدعم الاقتصاد الوطني. ولتنظيم الاستثمار الأجنبي صدر نظام الاستثمار الأجنبي الموافق عليه بموجب المرسوم الملكي رقم (م/1) بتاريخ 5/1/1421ه، والذي بموجبه أسند للهيئة العامة للاستثمار (ساجيا) إصدار التراخيص لأي استثمار رأسمال أجنبي في المملكة. وكانت الهيئة واحدة من أكثر الجهات الحكومية تنظيما، وأفضلها تقديما للخدمات، وأحسنها تعاملا مع مراجعيها، إلا أن الوضع تغير خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث شهدت الهيئة تراجعا من حيث الأداء والتنظيم. ومع تعيين معالي الأستاذ عبد اللطيف العثمان كمحافظ جديد للهيئة العامة للاستثمار قبل ستة أشهر تقريبا، توسم الجميع خيرا، خاصة المستثمرين، وتوقعوا أن الأمور سوف تسير نحو الأفضل، إلا أن الهيئة، بعد تعيين المحافظ، قررت وبدون سابق إخطار التوقف بشكل مفاجئ عن إصدار التراخيص الخدمية، ورفعت الحد الأدنى لرأسمال المشاريع الصناعية ليكون بواقع مبلغ قدره50 مليون ريال. وبعد فترة وجيزة من ذلك، تراجعت الهيئة عن القرارين المذكورين، إلا أن جميع طلبات تراخيص الاستثمار الجديدة أصبحت ترسل إلى الرياض لتدرس هناك وليتم البت فيها من خلال لجان مركزية، وأصبحت فروع الهيئة في المملكة مستقبلة فقط لطلبات التراخيص الجديدة دون البت فيها، بالرغم من الإمكانيات الكبيرة المتوفرة في هذه الفروع. كما يلاحظ أن وتيرة رفض طلبات تراخيص الاستثمار الجديدة ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة السابقة، بالإضافة إلى أن التراخيص التي تقوم الهيئة بإلغائها أصبحت أكثر من التراخيص التي تصدرها. إنه من الواضح من تسلسل الأحداث الأخيرة، أن محافظ الهيئة يحاول خلال الفترة الراهنة دراسة وضع الهيئة والإلمام بتفاصيلها الداخلية، وتقييم الوضع بشكل عام، ومن المتوقع أن يتمخض عن ذلك صدور قرارات جديدة متعلقة بتنظيم الهيئة وطلبات وإجراءات إصدار التراخيص الجديدة، أو تجديد التراخيص الموجودة وغيرها من الأمور. إلا أن فترة الدراسة طالت بعض الوقت، وعدم وضوح الرؤية قد يجعل العديد من الاستثمارات تتجه إلى دول أخرى غير المملكة، خصوصا لدى بعض دول الخليج المهيأة والمترقبة للاستثمارات الأجنبية والتي توفر مناخا استثماريا مستقرا وغير معقد. ولذلك فإنه من مصلحتنا أن تقوم الهيئة بتوضيح الرؤية والكشف عن أي سياسات جديدة لديها في أقرب وقت لإنهاء حالة الترقب التي يعيشها المستثمرون، حتى لا نخسر استثمارات قادمة إلى المملكة، أو هروب الاستثمارات الموجودة فيها، خاصة أن المستثمرين ينصحون بعضهم البعض بالدول التي تكون إجراءات الاستثمار فيها سريعة وغير معقدة. إن دور الهيئة يعتبر مهما ومحوريا لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتذليل العقبات أمامها للاستثمار في المملكة، ونأمل أن تقوم بدورها المنشود في أقرب وقت حتى لا تتحول إلى هيئة بدون مستثمرين. * محام ومستشار قانوني [email protected]