مواصلة لما بدأنا الأسبوع الماضي في حديثنا عن الفجوات في ثقافتنا السياحية، أظننا أهملنا مفهوم السياحة كوسيلة معرفية وثقافية بتركيزنا الشديد على الجانب الترفيهي، ناسين بأن التثقيف الذاتي عن طريق السياحة يتضمن في نفسه أرقى أنواع الترفيه وأكثرها متعة نفسية وفكرية. وقد وجدت من واقع خبراتي الخاصة أن المتعة والمعرفة اللتين أتاحتهما لي زياراتي للمناطق الشعبية في الدول التي سافرت إليها لم تكن لتتاح لي في الفنادق التي أنزل فيها، فالزيارات التي قمت بها إلى مناطق سكنية يقطنها المهاجرون غير الشرعيين في أطراف باريس وعشوائيات جنوبلندن وأكواخ الملونين في العاصمة الأمريكية وغيرها من الأحياء الشعبية في غيرها من عواصم العالم جعلتني أنظر إلى الوجه الآخر من المجتمعات المتقدمة، وربما بسبب هذا لم أعان من الشعور بالانبهار أو النقص والدونية تجاه هذه المجتمعات، الأمر الذي ساعدني على التعامل مع الناس بسهولة وبدون حساسيات أو فوارق، فقد عرفتهم كما هم، لا كما يريدون أن أراهم وأعرفهم. وأنت ترى السائح الغربي في المجتمعات العربية لا يتعامل كسائح جاء لينثر نقوده هنا وهناك مثلما يفعل أحدنا ليتميز متباهيا بثرائه، فالغربي يحاسب الجرسون على الفلس ويراجع فاتورة حسابه في المطعم بدقة، بينما سائحنا يدفع بسخاء مقابل ما يستحق مجانا، ويريد أن يميزه الناس، وهم سيفعلون له ذلك، طالما سيدفع مقابل خدمة لا تميز فيها ولا وجود لها من الأصل، ويبدو أن هذا يرجع إلى تأصل النزعة الاستهلاكية والاحتفاء بالمظاهر فينا. هذا يقودنا إلى أن تطوير السياحة الداخلية عندنا يحتاج إلى برامج توعوية وتثقيفية تصاحب الترويج، على أن لا تركز فقط على الحوافز الترفيهية، وأعتقد أن السلطات المحلية في كل إمارة يمكن أن تلعب دورا مهما في هذه العملية عن طريق إبراز أهمية الجانب الثقافي والتاريخي في مواقعها السياحية، فمن الذي يعرف ما هي صلة مدائن صالح وأصحاب الأخدود وشخوص رجال ألمع بتاريخ الإنسان السعودي المعاصر؟ ، صحيح أنت تجد متفرقات عن أماكن الشعب المرجانية في البحر الأحمر والقرى الآثارية في عسير وأبها وما تبقى من طرق ومعالم وشواهد ومواقع محفورة في ذاكرتنا الإسلامية كان لها حضورها الساطع المؤثر في ملحمة مولد البعثة النبوية والبدايات الأولى لانتشار الإسلام، كما أن هناك مواقع ومعالم كان لها حضورها التاريخي الطاغي في ملحمة توحيد المملكة ومعاركها التي يجب أن تدخل في صميم التداول اليومي سواء في أجهزة الإعلام المختلفة أو المناهج الدراسية، مما يساعد على إثارة خيار ورغبة المواطن على زيارة هذه المواقع ومشاهدتها لاستحضار واستعادة تلكم اللحظات التاريخية في الحاضر. وثمة نقطة أخيرة لا أرغب الخوض في تفاصيلها فجميعنا أدرى بها وهي تلك الخاصة بالقوانين والتشريعات، حبذا لو فتحنا نقاشا موضوعيا وواقعيا هادئا حول حدود ما هو مسموح وما هو محظور وتفعيل فقه مقاصد الشرع وفقه الضرورة، بمعني أن يفتح باب الاجتهاد على مستجدات ومتغيرات الواقع وافتراض حسن النية وحسن الظن بالناس. www، binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة