رحم الله الشيخ أحمد يوسف زينل.. أحد شهود التاريخ في بلادنا.. فقد كان يملك ثروة كبيرة من المعلومات التي ذهبت معه إلى مثواه الأخير دون أن يخرج تلك الثروة إلى حيز الوجود.. كان الشيخ أحمد ودودا.. ومتواضعا مع الناس.. لكنه كان ظنينا بما يملك من ثروة معلوماتية على الذين حاولوا أن يخرجوا من ذاكرته الشيء الكثير من تاريخ الوطن ونشأته وتطوره.. ولم يكن ذلك الإحجام منه يرحمه الله إلا زيادة في زهده بالأضواء.. إذا كان يؤمن بالصمت والبعد عن الإعلام. لقد حاولت في مراحل متعددة من عملي الصحفي أن ألتقيه.. وأن أكتب ذاكرته عن «جدة» وعن الوطن عموما.. فكان يبتسم في كل مرة.. ويعتذر بأسلوبه الأبوي مبررا ذلك بأنه لا يحب الأضواء.. ورغم إلحاحي في كل مناسبة.. ودعوته لي للحضور إلى مكتبه للتفاهم حول ما أريد.. إلا أنه كان مصرا على موقفه. لقد مر على بلادنا العديد من الرموز الذين كانوا شهودا على نشأة الوطن.. دون أن يكشفوا عما كانوا يحتفظون به من صفحات مضيئة من تاريخه.. رغم أهميتها.. فدفنت تلك الصفحات معهم وغابت عن التسجيل الذي كان يجب على أقسام التاريخ في جامعاتنا أن تهتم بها وتجمعها.. فالتاريخ لا يعتمد على ما نتداوله من كتب فقط.. وإنما على ما يحتفظ به أولئك الرموز من معلومات ومواقف وأحداث عن التحولات الكبيرة التي شهدتها بلادنا منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد جلالة الملك عبدالعزيز يرحمه الله.. وإذا ما كنا قد فقدنا الكثير من شخصيات الرعيل الأول.. فإن هناك أجيالا أخرى لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بتاريخ لم يكتب بعد.. وأتمنى أن تبادر الجهات المعنية بالتراث لجمعه من صدور الرجال الذين شهدوا مراحل متعددة من تاريخ بلادنا.. في مجالات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية.. فجمع التاريخ لا يعني الظهور إلى الأضواء بقدر ما يسهم في كتابة تاريخ متكامل لما عاشته بلادنا من تطور منذ تأسيسها وحتى اليوم.. وعلينا كمؤسسات معنية بالتراث ومنها المكتبات الكبيرة كمكتبة الملك عبدالعزيز العامة.. وأقسام التاريخ في جامعاتنا.. أن نجمع ذلك التاريخ بحقباته المتلاحقة.. ونبحث عنه في ذاكرة الرموز ومنهم كبار الأمراء والمسؤولين والشخصيات التي عاصرت مراحل النمو التي عاشتها بلادنا خلال الثمانين عاما الماضية. [email protected]