نولد وتولد معنا العديد من المسلمات التي نتعامل معها على أنها جزء أصيل من حياتنا مثل البيئة التي ننشأ بها، والتعاليم الأولى التي نجمعها بدون وعي من الوالدين حتى تشكل فيما بعد قيما ثابتة لحياتنا. ولكن مع تغير المراحل العمرية وانتقالنا من حالة إلى أخرى ومعايشتنا لأدوار حياتية مختلفة تتدرج من الطفولة إلى الكهولة. كنا فيها الأبناء المتمردين ثم أصبحنا آباء ناصحين.. مررنا خلالها بلحظات متأرجحة بين السعادة والفرح أو الحزن والألم. ولكن كل ذلك لا يضاهي بلحظة استجداء عاطفة الأبناء أو طلب رؤية ابن أو ابنة حتى لثوان معدودة. فإن من أصعب اللحظات التي قد تمر علينا هي تلك التي نسمع همس أنين الحرمان والجحود يتدفق على مسامعنا من شكوى أم أو أب من ولده .. فالوالدان قليلا الشكوى مهما حدث من أولادهما، وتكون شكواهما بدمعة تذرف على خد ترك الزمن عليه آثاره من جهد وتعب في تربية ومتابعة هذا الابن الجاحد أو تكون الشكوى من خلال نظرة عين حنونة حائرة تبحث عن القريب الغائب. ومهما نقابلهم من جحود نجد أمامنا قلبا كبيرا دائما يغفر لنا زلاتنا. ولكن للأسف لا ندرك ذلك إلا بكارثة الفراق التي نقف أمامها مذعورين يتامى، ولا نجد أمامنا سوى استرجاع ذكريات الماضي التي لا تجدي نفعا بل تزيد ألم الفراق. فهل السعي وبناء المستقبل وبدء حياتنا الجديدة المستقلة مع أولادنا وأزواجنا تستطيع أن تبعدنا عن هذا الكم من الحب والعطاء.!. هل بسهولة يستطيع ابنى أن ينزعني من حضن أمي الدافئ وفكر أبي المتعقل.!. ليتنا نتذكر لمن كنا نحبو.. وأين نختبئ عندما يدركنا الخوف.. ولمن نحكي ونشكو.. والكثير من الأمور والمواقف التي يصعب حصرها، ويكفي أن هناك أشخاصا في حياتنا ليست الهدية مطلبهم.. ولا المال حاجتهم.. إنما سعادتنا ووجودنا في حياتهم هو مقصدهم.. فما أجمل أن نلتف حول والدينا لنتحصن بهم، فإذا أردنا النجاح فبدعائهم لنا.. وإذا أردنا الرحمة فبخفض الجناح لهم.. وإذا أردنا الجنة فالبر بهم هو السبيل. [email protected]