احتراق ناقلة الغاز في خريص الرياض فتح ملفات مغلقة وخطيرة ما كان أن تفتح لولا التداعيات الأليمة للحادث الأليم الذي قطف أبرياء تصادف مرورهم قرب أو في محيط ناقلة الموت.. هؤلاء الذين فوجئوا بألسنة اللهب والغاز المشتعل وسحب النار ما كانوا يتصورون أن حياتهم ارتبطت في ذلك الصباح الحزين بناقلة عابرة يقودها سائق متهور تسبب في انهيار مبان ومقتل أناس كانوا في عجلة من أمرهم باللحاق بقطار الحياة.. الذي حدث في العاصمة الرياض فتح شهية الكثيرين للحديث عن ضوابط تحركات ناقلات الزيت والوقود والنفط والغاز والمواد الخطرة وسط عشرات من السيارات العائلية الصغيرة في المدن والقرى والبلدات.. إنه مشهد يحدث يوميا لا سيما في ساعات الصباح.. ناقلات غاز وصرف وشاحنات عملاقة تشق طريقها في شوارع خصصت أصلا لعبور سيارات ومركبات النقل الاعتيادية. ما هي التدابير المانعة من حدوث ما حدث في شارع خريص؟ ماهي الآليات التي تردع المتهورين والمستعجلين؟ من يحمي أرواح الناس من الموت المجاني المتحرك وسط السيارات في ساعات الذروة وغير الذروة؟ البقاء في الطريق.. للأقوى في الساعة السادسة والنصف صباح كل يوم، يتجه فهد المالكي من منزله وسط مخطط الحمدانية، شمال شرق جدة، صوب مدارس أبنائه في حي الرحاب. ينطلق إلى مقر عمله في حي الجامعة لكن الأمر لم يدم طويلا، إذ فكر جادا في التحرك من منزله في وقت مبكر تفاديا لازدحام طريق الحرمين بمئات بل بآلاف الشاحنات والناقلات العملاقة التي تحتل مسارات الطريق مستخدمة قوتها وعضلاتها متسلحة برعونة سائقيها الذين لا يحسبون حسابا للمركبات الصغيرة التي تبدو أمام ناقلاتهم نقطة في بحر الزحام.. معظم المسارات كما تطرقنا تحتلها الشاحنات والناقلات الخطرة، الأمر الذي يتسبب في تعطل حركة السير ويخلق أزمة في انسيابية الطريق.. الحال هكذا في حال خلو الطريق المحوري من أي حادث طارئ.. أما لو تصادف وجود حادث فإن الأمر يبلغ ذروته حيث يتعطل آلاف الطلاب والعمال والموظفين لحين معالجة الأمر طال الزمن أم قصر .. لكن الأخطر من كل ذلك عبور ناقلات الغاز والزيت والوقود جنبا إلى جنب مركبات عائلية. خان يدافع عن ناقلته سعد بن حازم، موظف حكومي يحث المرور على التصدي لسائقي الناقلات المخالفة مع إيقاع أشد العقوبات ليرتدع غيرهم. لكن السائق الباكستاني يرى غير ذلك فهو كما يقول مجبر على السير في ذات الطريق بحجة عدم وجود طرق بديلة أو مسارات مخصصة للناقلات، وفي حال الإصرار على تحميل المسؤولية على السائقين فإن كثيرا من الأنشطة ستتوقف أقلها محطات الوقود ومعامل الغاز وأعمال البناء والتشييد.. المطلوب كما يرى السائق خان محاسبة المتهورين ومعاقبتهم وسحب رخصهم ومنعهم من القيادة بدلا من التعميم المخل. علي وسالم وخميس الزهراني ثلاثة أشقاء يسلكون طريق الحرمين يوميا في اتجاه مدرستهم جنوب حي الروابي ويشكون من سوء وضع الطريق وازدحامه بالشاحنات المخالفة، مشيرين إلى أن هذا الأمر يعيق وصولهم إلى مدارسهم في الوقت المطلوب ويتسبب في حرج بالغ لهم مع مدير المدرسة الذي يرصد المتأخرين عن الطابور الصباحي في كل يوم. في المقابل يطالب محمد سيف الإسلام، سائق شاحنة، بتعميم المنع على جميع الناقلات وعدم استثناء أحد لافتا إلى أن الكثير سينفذون التعليمات لو وجدوا أنها مطبقة على الجميع دون استثناء. نقاط فرز على الطريق الناطق الإعلامي في مرور جدة المقدم زيد الحمزي يؤكد أن إدارة المرور تعمل على إنشاء نقاط فرز للمخالفين على الطريق بالتنسيق مع الأمانة، خصوصا في ساعات الذروة، ويتم في غالب الأحوال استيقاف مخالفي التعليمات من سائقي الشاحنات مع تطبيق لائحة العقوبات معتبرا عبور بعض الشاحنات حالات فردية لا تمثل ظاهرة. وأرجع الحمزي عبور بعض الشاحنات في ساعات الزحام والذروة إلى عدم توفر طرق بديلة للحرمين وجسر الخير المؤدي إلى الميناء مبينا أن المرور يحتجز الشاحنات المخالفة في نقاط محددة لافتا إلى أن الإدارة خاطبت الأمانة ووزارة النقل لتخصيص مواقف للناقلات والشاحنات بعيدا علما أن وقوف الشاحنات على الطرقات ونقاط الحجز يمثل إعاقة لمشاريع حيوية تجرى في المحافطة. المقدم الحمزي عاد وأفصح أن المرور يضطر أحيانا لإدخال الشاحنات إلى المواقع المأهولة بمشاريع وزارة النقل للإسراع في إنجازها رغم أن لها تأثيرا سلبيا على الحركة المرورية. استكمال دائري الشرق في المقابل ذكر مصدر في أمانة جدة أنه يجري التعاون والتنسيق بشكل جدي ومكثف مع إدارة مرور جدة لتجهيز مواقع لحجز الشاحنات المخالفة لحين انتهاء ساعات الذروة، مشيرا إلى أن الأمانة تتلقى تقارير رسمية من المرور لإيجاد حلول للأزمة المرورية التي يشهدها الطريق. وفيما تعذر الوصول إلى مدير إدارة النقل في منطقة مكةالمكرمة المهندس مفرح الزهراني بسبب هاتفه المغلق، فإن مصادر في الوزارة أفادت أن العمل مستمر على استكمال طريق دائري يقع شرقي جدة، وهو الأمر الذي يسهم لاحقا في انسيابية الحركة وتخفيف الضغط على طريق الحرمين. إعادة نظر سريعة نائب مدير الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة اللواء عبدالله حسن الجداوي كشف عن مخاطبات بين الدفاع المدني وشركتي أرامكو والغاز على تأمين سلامة المركبات الناقلة للوقود مع مطالبات أخرى بنقل موقع شركة الغاز والطريق الذي تسلكه ناقلاتها. وأوضح أن الجهات المعنية تنتظر تفاصيل تحقيق ذلك بشكل كامل. ويطالب اللواء الجداوي بضرورة تغيير موقع الشركة وتغيير الطريق الذي تسلكه الناقلات لاعتبارات عديدة لا لخطورة موقعها فحسب؛ بل لأنها تعبر بأحياء سكنية ومناطق مأهولة بالسكان. ولم يخف نائب مدير الدفاع المدني في منطقة مكةالمكرمة، أن دخول شاحنات الوقود إلى المدن بحاجة إلى إعادة نظر بشكل جذري، لافتا إلى أن إدارته خاطبت إدارة المرور في هذا الشأن. مبينا أن التعليمات حددت ساعات معينة لتفريغ الوقود للمحطات داخل المدن والمناطق المزدحمة. وأن الجزاءات تطال عددا من المحطات المخالفة. وأضاف جداوي أنه من بين شروط تفريغ الوقود في المحطات إغلاق مرافقها بالكامل؛ لأن الخطر يكمن في الغازات المنبعثة أثناء التفريغ لا في المادة السائلة، إذ أن الأولى قابلة للاشتعال وتشكل خطرا كبيرا.