حينما نتحدث عن مشكلة أو قصور أو خطأ في قطاع معين من قطاع الخدمات العامة، وخاصة في المواسم مثل موسم الحج، فإننا لانعني بذلك التقليل من الجهود التي تبذل من قبل تلك الجهات المعنية بالحج، حيث يشهد الجميع على الاهتمام الكبير الذي توليه حكومة المملكة بمواسم الحج. وتعتبر المملكة نفسها خادمة لحجاج بيت الله الحرام وتشعر بالفخر والاعتزاز بخدمة الحجيج منذ قدومهم إلى أرض المملكة وحتى مغادرتهم، كما ينتاب نفس الشعور كل مواطن سعودي ويعتز بخدمة ضيوف الرحمن. وأكتب مقالي اليوم قبل أن أقرأ التقرير الكامل لجريدة «عكاظ»، والذي من المفترض أن يكون قد نشر أمس بعد كتابة هذا المقال، وبصرف النظر عن ماسيحتويه التقرير والصور التي سيتم نشرها في الصحيفة عن قطار الحج، فإنني أرى أن مشكلة قطار الحج تعود إلى سوء إدارة المشروع من قبل القائمين على تشغيل المشروع، وعدم التوفيق في تحقيق الهدف من الاستثمار في المشروع، خاصة بعد أن تم إنفاق المليارات من الريالات على مشروع القطار؛ لكي يعمل لعدة أيام فقط. ولكن يفشل القطار في الحركة. والإدارة هنا تعني استخدام جميع وظائف الإدارة مثل الإتقان في التخطيط لتشغيل المشروع، وحسن التنظيم للمستخدمين للقطار من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول، ومهارات القيادة الناجحة لفريق العمل الذي يعمل بالمشروع، وتوفر الرقابة لمستوى أداء العاملين لتحقيق أهداف المشروع ثم التقييم المستمر لعمل المشروع. هذه الوظائف الإدارية حينما تكون متاحة ومطبقة وفاعلة قبل التشغيل وأثناء التشغيل وبعد التشغيل للمشروع في خلال مدة زمنية قصيرة جدا لاتتجاوز عددا من الأيام، فإننا نقول إن هناك إدارة استراتيجية استطاعت العمل والتنفيذ والإنجاز وتحقيق أهداف المشروع بكفاءة وفعالية. وماعدا ذلك فيمكن القول إن إدارة المشروع لم تكن حاضرة، أو أخفقت في إدارة المشروع. وهناك من يرى أن السبب في الإخفاق في إدارة المشروع إلى حداثة ثقافة النقل بالقطار (على الرغم من وجود خط حديدي يربط الرياض بالدمام منذ سنوات)، لذلك فإن هذا الأمر لايعفينا من المسؤولية ولا يمنعنا من الوقوف على المشكلة ومحاسبة المقصرين بعد تحديد الأخطاء وضمان عدم التكرار. وهناك من يرى أن من أسباب حدوث المشكلة هو تدافع الحجاج المفترشين، حيث أدى ذلك إلى محاولة دخولهم إلى القطار بدون تذاكر الأمر الذي خلق المشكلة. وهنا أتساءل هل مسألة الافتراش من الأمور الجديدة علينا فى مواسم الحج والجواب طبعا كلا، فمسألة الافتراش كانت ومازالت الشماعة التي ننشر فيها أخطاءنا، بالإضافة إلى أنها تعيقنا كثيرا عن التفكير في حل مشاكلنا، ومنها على سبيل المثال مشكلة التزاحم عند موقع الجمرات في مشعر منى، حيث كنا نرجئها ولسنوات عديدة إلى المفترشين، وبعد أن تحررنا من هذا التفكير استطعنا إيجاد الحلول لمشكلة الازدحام في منطقة الجمرات والحمد لله، بينما مازالت مشكلة الافتراش قائمة حتى الآن. ولو افترضنا جدلا أن السبب هو الافتراش فلماذا لم يتضمن دراسة المشروع في البدايات احتمالات التعرض لمثل هذا النوع من المشكلة مثل التدافع، وهو أمر يحصل في كل عام في مواسم الحج، ولماذا لم يتضمن المشروع خططا لتفادى ذلك. نحن في حاجة إلى التعمق في البحث عن أسباب الخلل، وعدم الخوض في إيجاد المبررات فليس من العيب الوقوع في الخطأ وليس من الضعف أن نعترف بالخطأ ولكن العيب أن نسكت عن الخطأ لتتسع دائرة الأخطاء في ظل غياب مبدأ العقاب والمساءلة وعندها تتلاشى جهود الدولة والإمكانيات المادية الكبيرة التي تخصص في الإنفاق غير المحدود على مشاريع الحج حيث تذهب جميعها في مهب الريح. رئيس مجموعة أبحاث الاقتصاد والتسويق [email protected]