فور صدور بيان وزارة الخارجية بإبعاد نائب القنصل السوري واثنين آخرين من موظفي القنصلية في جدة، سعيت إلى التواصل مع الجالية السورية في المملكة، وجمع بعض المعلومات عن الدبلوماسيين الثلاثة المبعدين، وعن الأسباب والظروف التي دعت إلى اتخاذ هذا الإجراء ضدهم.. ومن ثم مغادرتهم الأراضي السعودية. كانت أولى تلك المعلومات تقول إن نائب القنصل المعني هو «شوقي كمال الدين الشماط»، من سرغايا في ريف دمشق، وأما الآخر فهو «إبراهيم الفشتكي» من نوى في محافظة درعا، وهو ضابط أمن دولة برتبة (عميد)، وكان يعمل تحت مسمى موظف إداري ومستشار اقتصادي، أما الثالث (علي قدسية) فكان مسؤول الحراسة في القنصلية، وإن أعطي مسمى موظف إداري، بينما هو في الواقع عنصر في المخابرات السورية فرع فلسطين، وكان معنيا بمتابعة المطلوبين من نظام الأسد، وهو علوي من قرية «المصايف» في حلب. وكانت مصادر «عكاظ» قد كشفت عن دواعي إبعاد هؤلاء الثلاثة، حيث ثبت ممارستهم الابتزاز والتحريض بحق الجالية السورية، في محاولة فاشلة للتأثير على الأمن الداخلي، فقد عمد الثلاثة على تعليق المعاملات الخاصة بالمقيمين السوريين، وابتزازهم مقابل إنجازها بممارسة نشاطات تخرج عن «إطار العمل الدبلوماسي والمهام الرسمية للقنصلية»، بنشاطات تتمثل في تكليفهم برصد معلومات عن مقيمين آخرين، من حيث توجهاتهم السياسية، وموقفهم من نظام الأسد والثورة، وبالتالي يتعرض المقيم الآخر بعد رصده لوقف جميع معاملاته في القنصلية، بجانب إرسال معلومات عنه إلى دمشق بنية الإضرار بذويه في سورية، بجانب إجبار المراجعين من المقيمين بالإفصاح قسرا عن موقفهم من الثورة، في مقابل تحريض المؤيدين على آخرين تبينت معارضتهم للنظام، بتنفيذ أجندات تدخل في محيط «الإخلال بالأمن». وبعد محاولات طويلة، استطعت الوصول إلى نائب القنصل، أو على الأصح المسؤول عن إدارة القنصلية وأن أتحاور معه.. رغم محاولات التهرب من الإجابة المباشرة.. وكان هذا الحوار: • بجانب بيان وزارة الخارجية السعودية حول إبعادكم من المملكة، وردت إلينا شكاوى عديدة من أبناء الجالية السورية في جدة، تشير إلى ممارسات سلكتها القنصلية السورية العامة من تعطيل وتأخير إنجاز معاملاتهم والابتزاز لهم والتحريض ضدهم.. فما هو ردك؟ • أعتذر عن الإدلاء بأي تصريح أبدا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا صحة إطلاقا لهذه الكلام، وأؤكد لك أن الخدمات التي كانت تقدمها القنصلية هي ما لم يقدم من أية أخرى، وكم من الحالات ذهبنا في منتصف الليل وفتحنا القنصلية، وأنجزناها لأناس مضطرين، وما يقال غير دقيق، وغير صحيح. • أنت تتحدث عن الخدمات في الماضي.. فماذا عن الوضع الآن في القنصلية؟ • بعد أن أبعدنا لا يوجد في البعثة الآن دبلوماسيون، بمعنى أنه لا يوجد من يقوم بالعمل. • وأين أنت الآن؟ • أنت تكلمني وأنا في دمشق. • هل بالفعل أنت في دمشق؟ أم في مسقط رأسك سرغايا؟ • لا، بل أنا في دمشق. 8 سنوات عمل في المملكة • وصفك الدبلوماسي «نائب قنصل عام»، بينما كنت على رأس القنصلية، ولم يكن هناك من يديرها غيرك؟ • كنت قائما بأعمال القنصلية، لأنه لم يكن لنا قنصل عام، فقد كنت في الأساس نائبا للقنصل العام وأقوم بعمل القنصل.. والآن لا يوجد قنصل ولا نائب قنصل. • ومن هم الاثنان الآخران اللذان أبعدا معك؟ • من زملائنا، وهما موظفان إداريان. • سؤالي عن الأسماء، وحسب علمي أن أحدهما أبو عمران (إبراهيم الفشتكي).. أليس كذلك؟ • نعم، أبو عمران أحد الزملاء الذين أبعدوا، وهو موظف إداري ومستشار اقتصادي في القنصلية. • هذه الصفة الدبلوماسية الرسمية، بينما الواقع خلاف ذلك.. كونه ضابط أمن دولة، وبرتبة عميد.. أليس كذلك؟ • يا أستاذ محمد أرجوك، أنا لا أريد أن أعلق أو أصرح في هذا الظرف. • وماذا عن الآخر المدعو علي قدسية؟ • هو مسؤول الحراسة في القنصلية. • أدرك حساسية الموضوع بالنسبة لك، لذلك سأنتقل للحديث عن ظروف إبعادك عن المملكة، فمتى أبلغت بذلك؟ • بإمكانك أن تسأل وزارة الخارجية. • أنا أريد الإجابة منك، كونك الطرف المعني، فأنا لا أريد أن أستقي الإجابة من طرف واحد؟ • أخي أرجوك، فأنا والله عندما كنت أعمل في جدة وفي رحاب المملكة العربية السعودية، وفي ظل الظروف الحالية ارتأت فيها المملكة أن تنهي خدماتنا وأن تبعدنا.. ف «خلاص» أبعدنا، وانتهى الأمر. • وكم سنة أمضيت في المملكة؟ • بدأت العمل من 2004م وإلى الآن، وانقطعت خلالها حوالى عام وعدت بعدها، والمجمل ثماني سنوات تقريبا. • يقول السوريون المقيمون في المملكة إن القنصلية مارست ضدهم الابتزاز والتحريض وهو ما أدى إلى هذه النتيجة؟ • هذا غير صحيح، فقد كنا نعمل على تطبيق القوانين والأنظمة بكل أدب واحترام. • لكن بيان الإبعاد أرجع ذلك إلى ما لوحظ عليكم من مسلك يتنافى مع مهامكم المرتبطة بعملكم القنصلي ؟ • لقد كنا نعمل على مدى 10 ساعات يوميا، ومكاتبنا تعمل ليلا ونهارا. • لدي شواهد كثيرة من الجالية السورية عن تجاوزاتكم الكثيرة؟ • على العموم هذه مسائل تقررها دول، وهي مواقف عامة، لعل الأوضاع غير مناسبة للحديث عنها. غادرت خلال 24 ساعة • نعود إلى حيث أنتم الآن.. متى وصلتم دمشق؟ • وصلت منذ يوم أمس، بعد أن منحوني 24 ساعة، غادرت خلالها. • وماذا تود أن تقول الآن؟ • نحن آسفون على هذا القرار، ولكن في النهاية عدنا إلى سورية، والعمل تحت راية قائدنا الدكتور بشار الأسد. • أخيرا.. ما رأيك تجاه الثورة؟ • ثورة من؟ تقصد صحيفة الثورة؟ • أنت تعلم ماذا أقصد.. أقصد الثورة السورية؟ • نعم نعم، يبدو لي أنت تسأل عن الثورة زوجة الثور. • إذا هذا مفهومك للثورة.. فمن هو الثور إذن في المشهد السوري؟ .. عندها أنهى المكالمة.