.. وقف الحجيج بعرفات وجاؤوا المشعر وقضوا ما عليهم من تبعات وبذا تنتهي أيام الحج اليوم لمن تعجل، {ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه}. أدى ضيوف بيت الله الحرام فريضة الحج .. ونالوا مناهم بإذن الله تعالى وقد شهدوا الموقف العظيم في يوم عرفة .. وهو اليوم الذي يباهي الله فيه ملائكته بقوله سبحانه وتعالى: { يا ملائكتي أترون عبادي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق وواد سحيق يرجون رحمتي ومغفرتي فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل أو كعدد القطر أو كزبد البحر لغفرتها لهم أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم فيه} . وهو و أعني يوم عرفة اليوم الذي قال فيه نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام كما روى الإمام مالك رحمه الله بسنده، ما رؤي الشيطان يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذلك إلا لما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر. .. وبانتهاء يوم عرفة والمبيت بمزدلفة حلت أيام التشريق ليقدم الحجيج الهدي والأضاحي ورجم الشيطان .. وقد سبق لفضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء أن كتب بحثا مطولاً نشرته «عكاظ» في أربع حلقات عام 1423ه وكان خلاصة البحث كما جاء في الحلقة الأخيرة : بهذا يخلص البحث في ضوء الواقع المعاصر إلى ترجيح القول بجواز رمي الجمرات قبل الزوال أيام التشريق الثلاثة فهو الذي ينسجم ومقاصد الشريعة المطهرة في رفع الحرج، وحقن الدماء، والمحافظة على النفوس، فإن الأخذ به يذيب الزحمة الشديدة لما فيه من اتساع الوقت من حين طلوع الفجر إلى فجر اليوم الثاني فتحفظ الأرواح، وتتفادى الإصابات، وهو ما يتطابق وفقه الواقع، وكما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما.. والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي يحكم به في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده، واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين، أو أجرا. فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله. هذا ما استخلصه فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان من الفقه بجواز رمي الجمرات قبل الزوال أيام التشريق الثلاثة وهو بلا شك سيساعد على تخفيف الزحام وتيسير الرمي على الحجاج بدون مشقة ولا أذى. وأختم بالذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ما سئل عن شيء في الحج إلا قال: افعل ولا حرج).. ومن قبل ومن بعد فإن الحق سبحانه وتعالى يقول : {فاتقوا الله ما استطعتم} ويقول أيضا : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.