ترسم الشاعرة الكويتية غنيمة زيد الحرب، في مجموعتها «امرأة الشعر» فعل الزمن من خلال لحظات أو مشاهد محددة تنطلق منها من الحسي المحدود إلى الإنساني الواسع بل الشامل وتغور أحيانا في لحظات من الحياة تلتقط من خلالها لحظات هنيئة وانعكاسات في النفس إزاء أحداث تبدو لنا بسيطة عادة قبل أن تلتقطها الشاعرة وتحولها إلى حالات نفسية عميقة وإلى نظرات عميقة في الحياة. وتقدم غنيمة لمجموعتها بقصيدة قصيرة تلتقط فيها التحول الذي يصيب الإنسان فينقله من حالة توتر شعري وجداني إلى عالم الواقع العملي الذي يبدو بعيدا عن الشعر، إنها النفس البشرية التي تجعلها أمورا وحالات مختلفة تتأرجح بين وضع وآخر وقد يبدو الوضعان مختلفين بل متناقضين أحيانا. في قصيدة «امرأة الشعر» التي أعطت اسمها للمجموعة تقول الشاعرة (تبتعد امرأة الشعر/ لتقبل امرأة أخرى/ ما بين الشعر وعينيها/ سنوات غياب ضوئية). وقصائد المجموعة موزونة مع تعدد في الأوزان والقوافي على غرار ما عرف باسم الشعر الحديث قبل أن تدخل في هذه التسمية قصيدة النثر، وفي قسم من قصيدة «حكاية عروس البحر» تقول (تفيق عروس الرياحين من سكرة العرس/ تبحث عن فارس الأمس/ لا شيء في صدر هذا الصباح/ سوى سكتة الشمس/ لا شيء في رأس هذا الصباح سوى موتة الحس/ لا شيء في ذهن هذا الصباح/ سوى هلوسات الظنون/ وقلب ترأس وفد الجراح). وفي قصيدة «موتى أحياء وأحياء موتى» تصور الشاعرة عالما من الرحيل والأسى في رمزية وصور يقوم فيها العاطفي بإذابة الفكري ودمجه في عالمه. تقول (يساقون نحو الغياب/ كشمس على شفة الهاوية/ تقاوم حينا/ وحينا تموت/ وأما قناديل أيامهم/ فتبقى تضاء/ وقد لا تضاء/ فمن ذا الذي يقرأ الراحلين)، وتختتم القصيدة بتصوير حالة انتظار الموت قائلة «تململ ليل الأرق/ بموتى لهم سحنة من فراغ/ يروحون يغدون/ يعتركون/ يغوصون في غسق الموت/ لكنهم يأكلون/ ويبنون أيامهم/ من دخان/ ويمضون/ لا شيء في جيب أكفانهم/ سوى حفنة من ذنوب». وتحملنا غنيمة زيد الحرب في رحلة داخلية الى أعماق النفس، إلى ذلك الكهف العميق لكنه عند الشاعرة عالم من السلام والطمأنينة، فتقول «أخذتني/ وكان النهار على وشك الارتحال/ جذبتني إلى مدخل الكهف/ قالت تعالي/ فأسلمت للريح كفي/ دخلت/ هبطت السلالم/ كانت مذهبة/ فشاهدت شمسا بقاع المكان/ وللشمس رائحة/ مزيج من التبن والأقحوان/ وللشمس بوح السنابل /دوزنت أوتار قلبي.. عزفت/ تماهيت بالنغم المعطر غبت/ وعدت كما ولدتني الطبيعة/ لا شيء في الصدر/ غير السلام». وفي قصيدة «المظلة» تلتقط الشاعرة بعض لحظات الحياة الهنيئة، وتحول حدثا عاديا إلى هنيهات من السعادة قائلة «أتذكر ذات مطر../ وكنت أخبئ تحت المظلة رأسي/ خطفت المظلة طرت/ فطرت وراءك خوف الغرق/ ولكننا غرقنا سويا/ ببحر من الضحكات». وفي قصيدة «الدمية» تصوير لتغير العالم حولنا واكتشافنا المؤلم أن ما كنا عليه تغير، عالم يتغير وزمن يسبقنا ونفاجأ ونحزن عندما نكتشف ذلك، تقول «تركت ذات يوم/ دميتي هناك/ واليوم فجأة/ رأيتها/ لكنها قد أنكرت ملامحي/ تأبطت ذراع طفلة غيري وأدبرت». وفي قصيدة «الحافلة» تصوير لسعي الإنسان الذي قد لا يصل إلى هدفه بل قد يجد أنه عمليا أضاع طريقه ولم يعد يعرف إلى أين تأخذه الدروب، «كنت في الحافلة/ وحين الطريق ترنح من تحتها/ فمالت يمينا/ ومالت شمالا/ ومادت بها الأرض/ حتى استوت/ وحين استقرت/ وألقت بأثقالها/ هبطت .. ولكنني/ أضعت المحطة/ عبر الطريق». وفي قصيدة «الشارع» يتحول الشارع إلى رمز للزمن الذي يبتلع كل شيء مع مطره المتساقط كما تبتلع أمواج البحر خطوات المحبين في قصيدة جاك بريفير التي يغنيها ايف مونتان، تقول : «أيها الشارع/ يا نهرا من الاسفلت يجري/ سوف تنسى وقع أقدامي/ وتمحو .. أثري الامطار/ إذ تهمي عليك». قد جاءت المجموعة في 159 صفحة من الورق المتوسط القطع ووزعت مع كتاب من إصدار عالم المعرفة في الكويت، وقد نال الديوان جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية للشعر بالكويت.