من أهم وأعظم ما يجب أن يتذكره المسلم وخاصة في موسم الحج كل عام هو خطبة الوداع في يوم عرفة التي ألقاها القائد والمعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم في العام العاشر للهجرة، تلك الخطبة العظيمة البليغة الموجزة التي لم تزد كلماتها عن (171) كلمة والتي لم تركز على حقوق الإنسان فقط بل شملت واجباته أيضا، فأشار عليه الصلاة والسلام لحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأبطل أمور الجاهلية البغيضة وخاصة أكل الربا والمطالبة بالثار، كما أشار إلى حقوق المرأة والزوج والزوجة والحرص على ما ورد في كتاب الله تعالى حتى لاتضل الأمة، وإذا ما قارنا خطبة الوداع بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المكون من (30) مادة والذي أعلنته الأممالمتحدة في 10 ديسمبر 1948م وحظي بقبول عالمي كبير نجد أن الإعلان المذكور من عمل بني البشر وهو من فكر وتوصيات مجموعة من مفكري الغرب الذين سمعوا أو قرأوا أو عاصروا المآسي والمصائب التي روعت الشعوب وعرضتها للحروب الطاحنة والمجازر التي حصلت مثلا في الحرب الأهلية الأمريكية والثورة الفرنسية والحرب العالمية الأولى وخاصة الحرب العالمية الثانية التي أزهقت الأرواح وأهلكت الحرث والنسل ودمرت المنازل والمنشآت حتى بلغ عدد ضحاياها ما يقارب (37) مليونا من البشر! ورغم أن الإعلان العالمي يفصل كثيرا من الأمور بعناية لحماية الإنسان من الظلم ويحافظ على كرامته إلا أنه توسع كثيرا في التفاصيل وبالغ في إعطاء الإنسان حريات تعود بالضرر عليه مثل عقد الزواج بمجرد موافقة الرجل والمرأة أو إمكانية تغيير الإنسان لدينه الذي اعتنقه، كما أن الإعلان المذكور ركز تماما على حقوق الإنسان ولم يهتم بواجباته مع أن الحقوق لاتتم إلا بمن يقوم بها وتعتبر واجبا عليه، إلى جانب أن الدول الكبرى لاتحرص على تطبيق ذلك الإعلان ولا بقية الحقوق والمواثيق الإنسانية إذا وجدت أن الالتزام بها يضر بمصالحها وأقرب مثال على ذلك المجازر الكبرى الحالية التي تنصب للشعب السوري والتي لم يستطع مجلس الأمن في الأممالمتحدة أن يوقفها رغم مرور ما يقارب السنة والنصف أو أكثر، وكذلك الظلم والإرهاب الحكومي وإزهاق الأنفس والاعتقال الجائر التي تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة.. كل ذلك على مسمع ومرأى من الأممالمتحدة والعالم، أضف إلى ذلك كثرة استخدام الدول الكبرى لحق النقض (الفيتو) في القرارات التي تصدر لصالح حقوق الإنسان لكنها تتعارض مع مصالح هذه الدول الكبرى أو حتى مصالح حلفائها فتعترض عليها دون خجل. كل ما ذكر يوضح عظمة خطبة الوداع التي هي رسالة من رسول الله عليه السلام لعباد الرحمن ومعززة لما جاء بكتاب الله تعالى وليست من البشر الذين قد يخطئون وقد يصيبون، لذلك فإن الإعلان العالمي الحقيقي لحقوق الإنسان هو الذي أطلقه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من (1400) وليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصنوع الذي أشرنا لسلبياته والذي صدر قبل (64) عاما فقط. وفي العدد القادم نسرد خطبة الوداع التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. * عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان