خلق الله الإنسان في أحسن صورة ومنحه العقل ليقوم بخلافته على الأرض ويعمرها وبعث الأنبياء والرسل ليذكروا الناس بشرع الله ويعيدوهم للفطرة السوية ولما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وجد العرب على شيء من الفطرة تسود بينهم أخلاق إنسانية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كما أثنى عليه السلام على حق نصرة المظلوم الذي شهد قيامه في حلف الفضول فقال صلى الله عليه وسلم «لقد شهدت مع أعمامي حلفا ما وددت أن لي به حمر النعم» وجاء الإسلام قبل نحو ألف وخمسمائة عام بكامل حقوق الإنسان مؤكدا على كرامة البشر الطبيعية وأنهم أحرار لا يعبدون إلا الله وأن يتركوا كل الأصنام وينبذوا كل الخرافات ، قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) يمشي منتصبا على رجلين ويعمل بيدين ويأكل بفم ويتكلم بلسان وله سمع يتحفه بالأصوات وعينان يبصر بهما وله فؤاد يملي عليه الخير وعقل يفقه بالأمور وأعضاء ينتفع بها فهو يفرق بين الأشياء ويعرف المنافع والمضار ليعيش حياته الدنيوية سعيدا منتجا ويهيئ مصيره الأخروي ولهذا أعطاه الله حق الحياة ووهبها له ليعيشها كريما حرا موازنا بين حقوق الجسد والروح ليصبح مؤهلا لأن يكون خليفته في أرضه حاملا للأمانة قادرا على عمارة الأرض وإقامة الحضارة. كما منحه ربه حق التمتع بالطيبات حتى لاتكون حياته شدة وجفاء: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق). للإنسان حق الشورى في مجتمعه وحق المساواة في بني جنسه وحق العمل في بيئته وحق العلم أينما كان وحق العدل في الحكم: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). وللفرد حقوقه في الحياة والحرية ذكرا كان أو أنثى وللأسرة حقوقها في الترابط والنمو وللمجتمع حقه في الأمن والتكافل وللأمة حقها في الوحدة والقوة. لم تأت حقوق الإنسان في الإسلام دون توازن فهو دين الحقوق لأنه دين الواجبات فلا يمكن للحقوق أن تأتي دون أن يقوم الناس بواجباتهم فالشريعة الإسلامية التي تكون حقوق الإنسان جزءا منها تؤكد على الضرورات الخمس التي بها قوام واستقامة الحياة وأهلها وهي: 1- حفظ النفس من كل ما يضرها أو يهلكها أو يفسد عليها عيشها. 2- حفظ الدين بنصاعته فليس لأحد تعطيله أو خرقه أو استباحته أو تحريفه. 3- حفظ العقل لأنه أداة التفكير والإبداع 4- حفظ المال لأنه أساس الحياة وزينة الدنيا. 5- حفظ النسل من الإبادة أو الضياع أو الإجهاض واختلاط الأنساب. وما هذه الضرورات الخمس إلا حماية للإنسان وضمان لمصالحه. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق في خطبة حجة الوداع التي تعتبر أقدم وثيقة لحقوق الإنسان ومن ذلك قوله : «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» «فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أن لا ربا، أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا وان المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلموا أنفسكم». حقوق السلم والحرب وحقوق المرأة والطفل وحقوق المسلم وغير المسلم وحقوق الحيوان وحقوق البيئة كلها تقوم عليها الدولة وترعاها مؤسساتها الرسمية والأهلية ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «أيها الناس إن الله كلفني أن أصرف عنه الدعاء» أي أرد إلى الناس حقوقهم فلا يحتاجون للدعاء. إن الحيلولة بين تلك الحقوق وأصاحبها يفقد الإنسانية معناها ويلغي وجود الإنسان في الحياة ويمنعه ممارسة الخلافة في الأرض ويحرم الدنيا النماء والعمران. ولا تختلف المرأة عن الرجل في التمتع بتلك الحقوق فهن شقائق الرجال يساوينهم في الكرامة والمسؤولية والتملك (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة). كما أن المستضعفون إن حيل بينهم وبين حقوقهم الأساسية دفعهم حالهم إلى ما يتعوذ منه بينما المستكبرون تنجيهم حيلهم وأموالهم فحق الضمان الاجتماعي للعجزة غير القادرين على العمل وحق الكفاية لمن لا يجد عملا. وإذا أردنا حقوقنا فإن علينا أن نقوم بواجباتنا, فلا يمكن أبدا أن تكون أنانيا تأخذ ولا تعطي وكما تريد حقا فغيرك يريده فهي حقوق متبادلة نقدمها واجبا ونتلقاها حقا وهذا ما يميز الحقوق في الإسلام فهي عبادات وتكاليف وواجبات يتعبد الله بها وبها ترجى رحمته، فمرجعيتها الله وشريعة السماء التي علت بها وجعلتها صالحة لكل زمان ومكان. وما إعلان الأممالمتحدة عام 1948م لحقوق الإنسان وقبله الإعلان الفرنسي والأمريكي إلا نتيجة لما عاناه المجتمع الغربي من استبداد وعبودية وانعدام للمساواة في بيئة سيطرت عليها قوة الغاب وطغيان المادة ومحاولة للتخلص من استكبار الكنيسة وقوى المال وتنوسي فيها الدين والخلق فألجأهم الحال إلى تنظيم أنفسهم وإصدار وثائقهم، والدليل أن حقوق الإنسان في الغرب صارت شعارا دون حقيقة يستخدمه سلاحا لرافضي هيمنته فها هو يسكت عن انتهاكات إسرائيل في فلسطين ! فكيف يكون هؤلاء أمناء على حقوق الإنسان ؟! وآخر ممارساتهم الوحشية منع تقرير قولد ستون عن وحشية الصهاينة في غزة من الرفع لمجلس حقوق الإنسان. [email protected]