الرحمة هي الشفقة واللين والعطف والحنان والرفق ونقيضها الحدة، والشدة، والفظاظة، والغلظة، والرحمة عاطفة جياشة دافعة بالبر والإحسان عاشقة للخير. قال تعالى: {وربك الغفور ذو الرحمة} وقال تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} كما وصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليكم ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}. وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس). رواه الشيخان والترمذي كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك عند الغضب). متفق عليه. كما قال صلى الله عليه وسلم: (خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر). وعن ابي هريرة: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة ابا القاسم صلى الله عليه وسلم لا تنزع الرحمة الا من شقي». ورسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة. قال تعالى: {ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة الذي ارسله الله تعالى رحمة للعالمين رحمة للمؤمنين، ورحمة للكافرين، ورحمة لجميع بني الإنسان، ورحمة للحيوان، فهو رحمة عامة لجميع خلق الله تعالى. والإسلام رسالة سلام ورحمة وخير وعطف على البشرية جمعاء. لذا كان صلى الله عليه وسلم يؤثر الوئام والسلام، بل هو رسول سلام ورحمة ما وجد سبيلاً الى سلام ومحبة، والسلام تحية أهل الجنة وتحية المسلمين كما هو معروف. إن من يتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفكر صاف ومتمعن لجوانب شخصيته الفذة، وفي أخلاقه العظيمة يجد انها تجمع كافة فضائل الأعمال مع عدم التكلف شيئاً من الفضائل أصلاً بل تبدر منه صلى الله عليه وسلم سهلة ميسرة طبيعية، وتدخل الرحمة في كل فضيلة من هذه الفضائل، وتنزه صلى الله عليه وسلم عن جميع النقائض والعيوب لأن الله سبحانه وتعالى اصطفاه من بين خلقه لتبليغ الرسالة الخالدة، وأدبه وأحسن تأديبه ليكون قدوة للناس، وقد تحققت له صلى الله عليه وسلم تمام مكارم الأخلاق. وما وجد في القرآن الكريم من آداب وفضائل وأوامر وزواجر ومعاملات نجدها في سيرة وحياة الإنسان الكامل الذي «كان خلقه القرآن» الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كما أوضح صلى الله عليه وسلم «أدبني ربي فأحسن تأديبي». ولقد أشيع ان الإسلام دين حقد وبطش على الآخرين، وهذه الشائعة يروج لها أعداء الإسلام باستمرار ولابد من دحر هذه الشائعة وإنكار هذا الظلم في حق الإسلام، والجهاد في الإسلام لا يعني الحقد على الكافرين، حيث ان بعض الصحابة كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعو على الكفار وعلى قريش فكان يردد: (اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون)، كما طلب منه اصحابه صلى الله عليه وسلم عندما انصرفوا من حصار الطائف: أدع الله على ثقيف، فقال: اللهم أهد ثقيفاً وأت بهم، لذا نلاحظ انه حتى الدعاء من المسلمين لا ينبغي ان يتجه الى الكفار الا بالهداية، لأنه بعث رحمة فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدع على المشركين والعنهم» قال: «إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً). وقد غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في اصحابه هذه الصفة، صفة الرحمة والرأفة لجميع خلق الله سبحانه وتعالى، وبالتالي أصبحت علاقة المسلمين بغير المسلمين علاقة البر والتعاون والعدالة بل والمصاهرة ولاسيما اهل الكتاب وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والسرايا التي بعثها صلى الله عليه وسلم هي حماية حرية نشر الدعوة بحيث لا يكرهون أحداً للدخول في الإسلام لأنه دين سلام وأمن وأمان بل ان كلمة السلام وما تفرع عنها هي الأساس لكلمة الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هي تحية المسلمين فيما بينهم، بل ويردد المسلم «السلام عليكم ورحمة الله» عند نهاية كل صلاة وهذه الكلمات تشيع في نفس كل مسلم الرحمة والألفة والمحبة كما يؤكد ذلك تكرار اسم الله سبحانه وتعالى «اللهم انت السلام ومنك السلام» ان المودة والتسامح من مميزات المسلم التي تجعل قلبه يتسع لكافة خلق الله سبحانه وتعالى. والحرب في الإسلام حرب دفاعية لصد الاعتداء. قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله}. لذا لم يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا من حاربوه. «وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم، ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين». بل يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم السلم دائماً ويرحب بذلك. قال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}. حيث لم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم عدواً الا مضطرا لقتاله، ولم يثبت في جميع الغزوات ان اعتدى على احد من القبائل الا مضطراً لقيامها بالمخالفات، وذلك لأن الله لا يحب المعتدين؛ كما انه لم يثبت خلال جميع الغزوات والسرايا ان من اهدافها إكراه الناس على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الرئيسي هو حماية الحرية، ولاسيما حرية نشر الدعوة، وحماية السلام وإقراره وتوطيده، وهي - الغزوات والسرايا - وما حدث فيها من قتال، إنما من اجل الدفاع عن حرية العقيدة وحتى يعلم الجميع بأن الناس سواسية في الدنيا والآخرة إمام الله سبحانه وتعالى ولا تفاوت بينهم الا مع التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا توجد آية في القرآن الكريم كما يقول المفسرون تدل على او تشير الى القتال ابتداءً من اجل حمل الناس على اعتناق الإسلام. لذا فإن المتتبع لغزواته صلى الله عليه وسلم يجد انه لم يقاتل أحدا إلا مضطراً او لرد اعتداء او إحباط محاولته، وهذه الغزوات والسرايا بعيدة عن الظلم. وقد قاد الرسول صلى الله عليه وسلم (28 غزوة) وهي كما يلي: غزوات تمت في السنة الثانية للهجرة: غزوة ودان (الأبواء)، غزوة بواط، غزوة ذي العشيرة، غزوة بدر الأولى، غزوة بدر الكبرى، وغزوة بني قينقاع، وغزوة السويق. اما الغزوات التي وقعت في العام الثالث للهجرة فهي: غزوة ذي أمر، غزوة بحران، غزوة أحد، غزوة حمراء الأسد. اما غزوة بني النضير وغزوة ذات الرقاع وغزوة بدر الآخرة فقد تمت في العام الرابع الهجري وبالنسبة لغزوة دومة الجندل، وغزوة بني المصطلق، وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، فقد حدثت خلال العام الخامس الهجري. وفي العام السادس للهجرة تمت غزوة بني لحيان، وغزوة ذي قرد، وغزوة الحديبية، وفي العام السابع الهجري حدثت غزوة خيبر، وغزوة عمرة القضاء وفي العام الثامن الهجري تمت غزوة فتح مكة وغزوة حنين وغزوة حصار الطائف وغزوة تبوك. وبلغ عدد السرايا ما يقارب (60) سرية، والسرية يقودها أحد الصحابة وفي جميع هذه الغزوات والسرايا بلغ جميع القتلى من الجانبين 1018 قتيلاً (الف وثمانية عشر فقط)، وذلك لأنها حروب دفاعية لا يبدأ فيها المسلمون بالاعتداء على احد ولا يقاتلون الا مكرهين على القتال ومعروف في التاريخ الإسلامي ان لفظ غزوة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتجرأ أحد ان يطلق لفظ غزوة على المعارك الإسلامية اللاحقة. وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه حاقنة للدماء، عاصمة للنفوس والأعراض وتخضع لآداب وأخلاق عالية مع تطبيق تعليمات رحيمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أمر أحداً على جيش او سرية أوصاه: «اغزوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً». - هذه الغزوات لم يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لغير الذين قاتلوه، كما كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على سلامة واحترام أرواح الأبرياء، والعناية بالأسرى ولا يستخدم الإسلام القوة ليفرض نفسه على الآخرين، وإنما يسعى الى إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولا يكره الناس على اعتناقه وانما تترك الحرية للإنسان من غير استكراه، مع الشرط ان ترفع العوائق والمصدات التي تعمل تضييق الخناق على انتشاره، كما ان الإسلام يمنع من يحجر على الناس الا يفكروا، او ان يفرض الرأي عليهم، وإنما يسعى الى ان تترك حرية الرأي والدين للإنسان وأن يختار وفق ما يراه هو بنفسه لا ما يراه الآخرون له. وعلاقة المسلمين بغيرهم علاقة تبنى على العدل والقسط والبر والإحسان، والتعاون، والمصاهرة، ولكل ما ذكر دليل من الواقع الميداني، من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تم اختيار حادثتين لهما علاقة بالغزوات تظهر مدى عفوه وتسامحه ورحمته. وهما: - لما اسلم ثمامة بن أثال اقسم لأهل مكة انه لن يرسل اليهم حبة حنطة من اليمامة حتى يأذن رسول الله. ثم عاد الى اليمامة، فمنع قومه ان يحملوا على مكة شيئاً، فكتبوا الى النبي يقولون انك تأمر بصلة الرحم، فكتب الى ثمامة ان يخلى بين قومه وبين الحمل الى أهل مكة ان رحمة النبي كانت اعلى من الخصومة، وأرفع من العداوة، وأعظم من مقابلة التجويع بمثله، فإنه لم يكد يقرأ كتاب قريش حتى ارسل الى ثمامة ان يخلى بين قريش وبين حنطة اليمامة، وهو يعلم ان تجويع قريش يضعفها اشد الضعف، ويقيه شرورها، ولعله ان يعجل بسعيها الى اعتناق الإسلام. - في مسيرة من المدينة الى مكة عام الفتح رأى على ماء في الطريق كلبة تهر على أولادها وهن حولها يرضعنها، فأمر رجلاً من اصحابه ان يقوم حذاءها حتى لا يعرض احد من الجيش لها ولجرائها. - وقد كان من المتوقع في حالة الزحف الا يعبأ بالكلبة ولا بجرائها وكان من المتوقع الا يكلف أحداً بحراستها وحمايتها وإبعاد الفزع عنها. - لكن رحمة الرسول كانت فوق المتوقع، لأن اخلاقه الكريمة فوق ما يتوقع الناس. فها هو يحدد حارساً «للكلبة وجرائها». كما ان التعامل مع الأسرى من قبل المسلمين تعامل راق، حيث إنهم ينفذون وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن التعامل مع الأسير حتى ان الصحابة رضوان الله عليهم يفضلون الأسرى على أنفسهم ولا سيما بالطعام وتحقيق رغباتهم. اما الحروب الأخرى مع ان اهدافها بداية أهداف شخصية وغير واضحة فإن اعداد المقتولين اعداد هائلة، حيث بلغ قتلى الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918م (6,400,000) ستة ملايين وأربعمائة الف نسمة وعدد المقتولين في الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945م بلغ ما بين خمسة وثلاثين مليوناً وستين مليون نفس. وهذا التفاوت في الأعداد نظراً لعدم وجود احصاء دقيق للأفراد (ربما لعدم اهمية الإنسان لديهم). كما أبيد ملايين البشر لنشر ايدلوجية محددة فمثلاً لنشر الماركسية في الصين فقط أزهقت ما بين 32 - 61 مليون نفس، وذلك مابين عامي 1949 - 1965م. اما في الاتحاد السوفياتي فقد ابيد اكثر من 51 مليون معارض ما بين عامي 1927 - 1953م ودمرت مدينة كاملة وفي لحظة واحدة وأبيد 70 ألفا وذلك نتيجة القاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما ونجازاكي ومن بقوا أحياء في المدينتين اصبحوا اسوأ من الأموات، وفي عصر الانفجار المعرفي والثقافي وعصر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) العصر الذي حول العالم الى قرية كونية صغيرة في هذا العصر حصدت الآلاف من الأنفس على مرأى من العالم ومسمع، حيث ذكرت التقارير ان ثلث الشعب الكمبودي قد ابيد ما بين عامي 1975 الى 1979م من اجل التطهير الفكري، كما ازهقت عشرة آلاف نفس من البوسنيين العزل (ذكور) بما فيهم الأطفال عام 1994م خلال ثلاثة ايام فقط، وفي العراق بدأت عملية حصد الأرواح من عام 2003م ودمرت مئات المنازل على اصحابها وبلغت نتائج هذه الحرب وما تفرع عنها عشرات آلاف من الأبرياء ومن ذلك التاريخ وحتى الآن مستمرة في حصد الأنفس. وتعددت المناقب والدلائل التي تبرز رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث شملت الكل من الرجال والنساء والكبار والصغار والمسلمين، وغيرهم بل وبقية الكائنات من حيوانات وغيرها حيث تميز صلى الله عليه وسلم بأنه صبور، وحليم، ورحيم، وعفو، وكريم، وعفيف وأمين، وزاهد ومتواضع، بل كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في كل خلق، وهذا ما أثبته له الله سبحانه وتعالى «وإنك لعلى خلق عظيم» والرحمة من أخلاقه العظيمة صلى الله عليه وسلم، لذا يطمئن المسلمون وغيرهم بل ويأنسون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مبعث أنسهم الحب والإجلال والاطمئنان الى سماحة نفسه ورحمته وقد شمل عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان والحيوان والطير. كما ان الأرض تخضر بالغيث وتخرج زينتها بأزهارها، ووردها، ورندها في لوحة فنية رائعة، فإن الرحمة غيث في القلوب تطهرها من الحقد، والحسد والأنانية، وتحل مكانها العدالة والمساواة والمحبة. والغيث صفة من صفات أمة محمد صلى الله عليه وسلم (أمتي غيث لا يدري أوله خير أم آخره).