كثيرة هي المغامرات التي ربما تدفع بصاحبها للأعلى، وربما على النقيض هناك من تسقط صاحبها للأسفل، ولكن «الطائر فيليكس» غامر مغامرة من نوع آخر، هي الصعود من القمة للقاع، تلك المغامرة الفلسفية الواقعية التي عصفت بكل قوانين الفيزياء، وعباس بن فرناس، ومناهجنا التعليمية، والحشو الغثيث للمعلم، والطالب، والمنهج الذي ظل اختزالا للكتاب المدرسي، وإن تغيرت طباعته، وأصبح اثنين، ومعلميها، وطلابها، وإداراتها...الخ. تلك «القفزة الفيليكسية» التي كنت أنتظرها سنين طويلة؛ كي أثبت خطأ مدرس العلوم في المرحلة المتوسطة، الذي كان يجبرنا على حفظ سنة مولد ووفاة نيوتن..؟!. وعودا على «قفزة فيليكس» تلك القفزة التاريخية.. التي تقف بصاحبها على حافة العالم .. رحلة سقوط للقمة دامت ثماني دقائق، ومن علو 39 ألف متر فوق سطح الأرض.. لحظة تاريخية .. والناس تنظر لك نظرة واحدة.. وسؤال واحد هو: هل جننت يا فيليكس؟!. وقد يكون الحق معها فمجرد الحلم بها أو تخيلها يشعرك بالخوف والفزع من هذه «المغامرة الفيليكسية» التي كانت حياة صاحبها على كف عفريت، إذ ربما يتفجر دماغه، أو يتمزق جسده النحيل في ذاك الفضاء الواسع.. والشاسع. ولعل فيليكس نفسه ربما لا يعلم بأنه قد قدم رسائل حين قفز حتى وطأت قدماه الأرض قادما من الفضاء الطاهر، الساكن، الصامت، وهو يقول للصحافيين: «هناك عند قمة العالم تشعر بتواضع كبير؛ لا تفكر في تحطيم الأرقام القياسية، ولا الحصول على معلومات علمية بقدر ما تتمنى العودة حيا». ولعلها الرسالة التي تقرأ في تفاصيلها ما بين سطور الإنسان وإن أصبح رقما صعبا وعلا شأنه وحقق المنى.. إلا أنه يحن لآدميته البشرية، وقيمة الحياة وسط مجتمع وإن تعددت ثقافاته، ورغباته، وميولاته، ومذاهبه، وفكره، ومعتقداته.. وفي ذات الرسالة «الفيليكسية» دعوة لمعرفة قراءة من نتعامل معهم من الداخل وفهم طريقة تفكيرهم من رؤية عامة شمولية دون الاعتماد على ظاهر الشخصية، وفي نهاية الرسالة هي الطموح الذي يسكننا، ويؤرق أعيننا، فمن الممكن أن نحقق المستحيل إذا سعينا له بهمة ومشقة، دون بقائه حلما نستحضره عند النوم فقط.. حلم أشبه بحلم الفقير الذي لا يراه إلا حلما وإن تحقق أمام عينه واقعا. يقول الروائي والمسرحي الإنجليزي ديفيد لورانس: «الحياة رحلة إلى حافة المعرفة ثم قفزة». [email protected]