وقفز فليكيس.. قادما من حدود الغلاف الجوي في رحلة تاريخية لكسر حاجز الصوت، ومندفعا من ارتفاع 39 كيلو مترا محققا ثلاثة أرقام قياسية تمثلت بحصد الرقم القياسي لأعلى منطاد مأهول، وأعلى سرعة سقوط، وأعلى قفزة في العالم بالمظلة. بسرعة سقوط وصلت إلى 1140 كيلو مترا في الساعة. قفزة تاريخية، وعالمية، وقد تباينت ثقافات الشعوب في استقبال هذا الحدث العالمي، وكان استقبالنا له استقبالا ساخرا سجلته مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الاستقبال الذي يدلل على الفوارق الثقافية للشعوب، فالمركوس والمحبط يتعامل مع أي نجاحات تعاملا يتناسب مع رقة أفكاره، وتواضعه لأن أحداث النجاح في أي شيء تتطلب روحا مغامرة وطموحة ولهذا (وفي جل التعليقات على هذه القفزة) لم يكن من اهتمامات متابعينا إلا إظهار مقدرة الساخر من الناجح فتطايرت النكات كمقاربة بيننا وبين ما يحدث في العالم. فالقفزة كانت فاضحة لمستويات الثقافة والاهتمام فحين يتساءل البعض (خير ياطير يعني أيه قفز) من غير محاولة تعميق الحدث. فالقفزة لم تكن مغامرة باحثة عن اللهو (وإن كانت تحمل هذه الصيغة) إلا أن الاهتمام بالقافز، وتسخير كل الإمكانيات لتسهيل قفزته ليس لهوا، بل علم. فالقائمون على التجربة (ضمت مائة شخص) يؤملون أن تساهم قفزة فليكيس في تطور الأبحاث العلمية في مجال الطيران، وذهب البعض إلى أن هذه القفزة يمكن لها أن تسهل كيفية إنزال رواد الفضاء لو تعطلت مراكبهم الفضائية.. كما أن قفزة فليكيس تعطينا إشارات لكيفية استغلال روح المغامرة عند الفرد، وتحويلها من مجرد مغامرة محضة إلى عمل يستفاد منه. وهذا نتاج ثقافي اجتماعي فحين تكون الأمة قوية تبحث عن الأقوى، ولو تذكرنا مغامرة عباس بن فرناس (التي كانت أول مغامرة تحليق في الفضاء والفاتحة الأولى لدفع الإنسان للبحث عن وسيلة للطيران) لو تذكرنا مغامرة عباس بن فرناس سنعلم الفوارق المهولة بين حالتنا في الماضي، وحالتنا في الحاضر. الشعوب الساخرة الضاحكة من نجاحات الأخير تعطينا مؤشرا حقيقيا للخمول والدعة والاستكانة.. ولو أن فليكيس يعيش بيننا لما استطاع أن يغامر لأن المثبطات مهولة، وحين يكون المجتمع مثبطا (بجميع مؤسساته) تضيع فيه المواهب والعقول العلمية ..يضيع كل شيء. لنفترض أن شابا أراد أن يغوص في أعماق البحر وأرد أن تتبنى تجربته جهة ما ..هل سيجد جهة تتبنى هذه المغامرة وترعاه؟! قس على هذا عشرات الأشخاص الذين يحملون أفكارا ومغامرات خيالية تنتهي عند ضحكاتنا المتطايرة، وسخريتنا اللاذعة لكل ما هو قادر على اختراق البلادة المنتهية بضحكة طويلة. ولا يعنينا ترسيخ مفاهيم ثقافية منها أن النجاح ليس نكتة، بل عمل دؤوب يوصل إلى الهدف. نحن لا نعمل شيئا سوى الضحك، والعجز التام من مساندة أي مغامرة أو موهبة تخرجنا قليلا من فضاء الضحك المتواصل.. ويا أمة ضحكت. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة