يجب أن نعترف أن ظاهرة التفحيط قد استشرت إلى الحد الذي لم تعد ضروب التوعية تحد من تغوله، والدليل الأبرز حتى مقاطع (اليوتيوب) المفزعة التي يخر الكبار من هولها وبشاعتها لم تقو على تقويضه أو تضييق دائرته. هذه التوطئة ليست من قبيل تثبيط الهمم ولا هي دعوة للتشاؤم والتيئيس بقدر ما هي للاستثارة وشحذ حلول واجتراح معطيات أكثر نجاعة وإن بعد حين، نعم نقولها بكل ألم وحسرة إن جيل المفحطين الآني من الصعوبة بمكان تحييد فكرهم من خلال حملات الترهيب من مغبة التفحيط فهم أدرى من غيرهم بمآلاته وتداعياته ولا حتى العقوبات التي دأبت الجهات المعنية على تطبيقها تقوض من سلوكهم وهذا لا يعني ويجب ألا يعني أن نتركهم يدقوا مسامير نعوشهم بأنفسهم، لكن ليس بالتوعية التقليدية الجوفاء بل يتعين احتواؤهم وسبر نوازعهم واختلاجاتهم فالكثير إن لم نقل جلهم لم يقدموا على ذلك السلوك لمجرد التجربة والفضول بل لظروف ومتغيرات نفسية واجتماعية زجت بهم لتلك السلوكيات وغيرها، وبكلمة أوضح هؤلاء المفحطون منقسمون فثمة من لديهم طاقات وربما إبداعات (كامنة) في مجالات أخرى لم تكتشف وآخرون يرزحون تحت وطأة علل نفسية واجتماعية (مترسبة)، كلا الفريقين أرادوا تفريغها من حيث يدرون أو لا يدرون في آلة الموت فهم بالمجمل نتاج أسر ومجتمع لم يعرهم العناية والاهتمام قبل امتطاء مقود القيادة بكثير وأقصد هاهنا سني الطفولة المبكرة فما يجب أن يعرفه الجميع أن سلوك التفحيط ليس سلوكا فجائيا بل استعداد تراكمي وجد ضالته بالتفحيط أو غيره من سلوكيات منحرفة أو بها معا.. بقي القول إن العقبة الكأداء في الحؤول دون الحد من هذه الظاهرة هو محاولاتنا لعلاجها كظاهرة عينية ملموسة وغفلنا الأسباب الكامنة وراءها. واقع الحال أن ما تقدم يجب أن نكرسه مليا للنشء القادم قبل أن يصبحوا في عداد المفحطين فليس ثمة بد من الوقوف على أسباب التفحيط ومحاولة معالجتها وهي عموما تفيدنا في التعرف على تجلياتها وتوسلها للجيل القادم الذي نتمنى أن يكون خاليا من هذا السلوك المفضي للموت أو الإعاقة في أحسن الأحوال، أما من يدعون بأن التفحيط هواية ويجب أن نتبناها من خلال إقامة مضامير خاصة بها فهي دعوة تضليلية وتبعدنا عن اقتفاء المعطيات العلاجية فأي هواية هذه التي تودي بصاحبها للهلاك، فيجب أن نفرق بين سباقات الرالي (والتفحيط) الذي يعتبر لعبة الموت.