تتلخص الأزمة السورية من منظورها السياسي بوجود نظام دولة تحولت بفعل قمع الثورة إلى ميليشيا ضخمة، فلا هي قادرة على أن تعود إلى سلوك الدولة، ولا هي قادرة على أن تفرض سلوك الميليشيا وتقمع الثورة. وفي الجانب الآخر، هناك معارضة متناثرة الأطياف على المستوى الإيديولوجي والديني والطائفي وحتى التنظيمي، وبالكاد لملمت شتاتها في مجلس وطني سوري طموح أمام ثورة فاقت كل التصورات، فلا هي استسلمت للنظام، وفي ذات الوقت غير قادرة على التمثيل العملي لهذه الثورة .. وإقناع المجتمع الدولي بشكلها التمثيلي وبين هاتين الحالتين يدفع الشعب السوري أغلى الأثمان على مر تاريخه المعاصر والحديث. وحتى هذه اللحظة والمعارضة السورية لم تقدم المستوى المطلوب في إدارة الأزمة ولم ترض تطلعات الشعب السوري، وهو أمر يمكن استيعابه بالنظر إلى المواقف الدولية أيضا المتخاذلة. إلا أن التماس العذر لهذه المعارضة لا يعني عدم تحميلها جزءا مما يجري على الأرض السورية. صحيح أن المعارضة فوجئت بالثورة السورية وحجم الإرادة الشعبية المذهلة بالتغيير ولم تتمكن حتى هذه اللحظة من مجاراة الإصرار الشعبي على إسقاط الأسد إلا أنها وفي كل الأحوال تحقق انتصارات سياسية وعسكرية متصاعدة يجب أن يتم البناء عليها، فيما تتهاوى قوة النظام وتتفكك قدرته على السيطرة على الأرض. يوصي تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر الشهر الماضي بضرورة أن تعيد المعارضة السورية التعامل مع الواقع السوري الداخلي وعلى وجه التحديد استمالة الطائفة العلوية باعتبارها (خزان) المخاوف من الاقتتال الأهلي. وهنا يتجدد السؤال الحيوي في الأزمة السورية، ما هو المطلوب من المعارضة السورية، وما يمكن أن تقدمه أصلا هذه المعارضة في ظل تضاعف حجم العنف ضد المدنيين واكتفاء المجتمع الدولي بالمشاهدة؟. تستضيف العاصمة القطرية الدوحة في الرابع من نوفمبر المقبل مؤتمرا موسعا للمعارضة بكل أطيافها في إطار المناقشة والتحضير للحكومة الانتقالية المؤقتة والاتفاق على إدارة مرحلة ما بعد الأسد. صحيح أن فكرة تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة فكرة مغرية وباعثة على الأمل للشعب السوري لكن ثمة هواجس منطقية تعتري فكرة التشكيل ذاتها، فالمرحلة باتت حرجة ولا تحتمل أية أخطاء في الوقت الذي يحرز فيه الثوار تقدما على الأرض لا يجب أن يصاب العمل السياسي الموازي بأي نكسة. من هذه الهواجس الخوف من أن تتحول فكرة الحكومة إلى محل نزاع وخلاف بين فئات المجتمع السوري خصوصا لناحية التمثيل. فإذا أخذنا بعين الاعتبار ذهنية التغيير التي طرأت على الحالة السورية، يجب أن تكون هذه الحكومة حصيفة في اختيار الشخصيات الممثلة، فأكبر خطر يهدد تشكيل هذه الحكومة هو نوعية وطريقة التمثيل، هل هو طائفي أم حزبي أم مناطقي أم تكنوقراطي، وما هو نصيب العسكر فيه. وكل نوع من هذا التمثيل تعتريه عقبات جمة. لذا فإن الرأي القائل بعدم التعجيل لتشكيل هذه الحكومة أكثر منطقية من ذلك المتعجل في إنجازها، فحتى الآن ما من ضمانات حقيقية مؤكدة أوروبية وأمريكية وحتى عربية للاعتراف بهذه الحكومة. وهنا تظهر هواجس أخرى من أن تكون هذه الحكومة مؤشر ضعف للمعارضة ولتراجع المجتمع الدولي عن دعمه للثورة، وبالتالي يلتقط النظام هذه الإشارة لترجمتها على أرض الواقع بالمزيد من القتل والتدمير. على المعارضة السورية أن تأخذ بعين الاعتبار نقطتين في غاية الأهمية الأولى: الانتقال من فكر المعارضة والأحزاب إلى فكر الدولة المنظمة. والأمر الثاني أن تدرك أنها في حضرة الشعب السوري. إن المعارضة تمتلك السلاح الذي لا يمتلكه الأسد وهو إرادة الشعب السوري التي هي قاب قوسين أو أدنى أن تغير خارطة الشرق الأوسط .. فمن سيشيع الآخر المعارضة أم الأسد.