تنفق الشركات والدول الكثير من الجهد والمال من أجل بناء الصورة الذهنية الإيجابية عنهم في مخيلة الآخرين. الصورة الذهنية كمصطلح تسويقي مرتبط بالتأثيرات التي تقوم بها الدول والشركات على الأفراد و المجتمعات من خلال وسائل الإعلام والإعلانات وبرامج العلاقات العامة التي تنظم لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي سمعة أي شركة أو منتج أو بلد هي عبارة عن الصورة الذهنية أو الانطباع المنعكس عنها سواء إيجابيا كان أو سلبيا. وتعتبر المطارات ومداخل المدن وممارسات العاملين بها هي واجهة الدول التي تعكس الصورة الحقيقية عنها وترسم صورة ذهنية وانطباعا أوليا عن البلد الذي تزوره وبالذات إذا كان أول زيارة، فالخدمات الأرضية والجوازات ومستوى النظافة ومهنية العاملين وتنظيم وسائل النقل وغيرها كلها تسهم بشكل تكاملي في بناء الصورة الذهنية بخيرها وشرها، كما أن واجهات المدينة ومداخلها وتنظيم طرقها وجمال مبانيها وجودة خدماتها تشارك في طبع الأثر. وكما قيل العين تعشق قبل القلب، فكذا هو حال الزائر حيث تترك النظرة الأولى للمدينة أثرها في مخيلته وتشكل نظرة الوداع الأخيرة مراجعة لقرار ما ليغادر إما عاشقا وإما كارها حاملا معه تلك الصورة الذهنية التي يصعب تغييرها، والمطار هو أول وآخر ما تقع عينه عليه. والمملكة يأوي إليها مئات الألوف من المسلمين وغيرهم على مدار العام ما بين سياحة دينية أو زيارة عمل. وحباها الله وشرفها باستقبال تستقبل الملايين من المعتمرين والحجاج على مدار العام، وتنفق في سبيل ذلك بسخاء منقطع النظير مليارات الريالات على توفير الخدمات للمسلمين من أنحاء العالم في المدن المقدسة والمشاعر والمنافذ، ولكن الحال في مطاراتنا يعكس صورة تسويقية للمملكة سيئة لا تعكس النهضة التنموية التي تشهدها ولا حجم الإنفاق الذي توليه الدولة لهذه المرافق الهامة والمؤثرة في بناء الصورة الذهنية الإيجابية. ولو نظرنا إلى مطار جدة على سبيل المثال الذي يعد منفذا من خلاله يتعرف الحاج والمعتمر على المملكة، ولن أتكلم هنا عن التكييف وتكدس الطوابير أثناء القدوم ومستوى صالات القدوم والمغادرة فالأمر جلي وواضح وما من أحد إلا وشرب من مر كأسه، ولكن لنتكلم هنا عن القادم بعد خروجه من الجمارك، فهو يواجه مشاهد غريبة، فوضى عارمة ويقع فريسة سهلة لسائقي السيارات الخصوصي ويمر بتجربة مريرة، فهو مسكين من يد شديد إلى يد أشد كل يعرض عليه خدمة التوصيل بشكل فوضوي وبأغلى سعر!، معتقدا ذلك السائق أنه غلب هذا الوافد وخرج منتصرا ببعض ريالات ونسي بذلك أنه هدم بطريقته صورة بلده!، وإذا كان القادم لديه شيء من الفطنة وخرج للموقف الرسمي لسيارات الأجرة فالله يرحم حاله، الوضع أشد وأخزى، فوضى واستهتار وعدم تنظيم وعشوائية مطلقة. وبعد المعاناة يستقل سيارة مدردعة ويخرج من المطار ليشاهد أجمل ما في جدة أنها المدينة الصناعية وما أدراك ما المدينة الصناعية!، ورش وحدادة وسمكرة وفوضى ومناظر لا توجد إلا في بلدان العالم المتخلفة. بربك عزيزي القارئ ألم يزعجك منظر الورش وكيف شوهت المنظر الحضاري لمدينة جدة!، أتعجز أمانة جدة عن إيجاد الحل لها!، أليست هي المعنية بجمال المدينة ونضارتها!، وإن كان لديكم نية لنقاها فغطوها على الأقل عن الأعين!. الحل يحتاج إلى نظرة شاملة لما يجب أن يكون عليه نوعية وجودة الخدمات المقدمة في المطار وفي المناطق المجاورة له والتي تكون ممرا ومعبرا للزائرين لعكس صورة جيدة عن المملكة. إن دقة تنظيم وصرامة التطبيق وعدم المجاملة وعدم قبول التجاوزات مع رقابة ومتابعة سيحسن المنظر العام ويعكس الصورة المنشودة، فالعملية بالدرجة الأولى تنظيم وإجراءات للتنفيذ وفق خطة لتحسين مستوى ومحتوى المطار وليس شكله فقط والرفع من جودة الخدمات المقدمة لقاصديه.. إني أناشد كل مسؤول وكل محب للوطن وكل تنفيذي له علاقة بما قلت من قريب أو بعيد أن لا يستخدم المكتب التنفيذي «الخاص بكبار الشخصيات» في مغادرته وقدومه لمدة شهر فقط ليرى بعينه ما قلت ويعمل من خلال جهته على تحسين من يمكن تحسينه فالوطن علينا غالي القدر والشأن، ومنا يستحق كل جهد وعمل.. ودمتم سالمين. [email protected]