إن نعم الله علينا، نحن السعوديين، في هذه البلاد الطيبة المباركة، لا تعد ولا تحصى. ولا شك أن أعظمها وأجلها، نعمة الإيمان والتوحيد التي على أساسها نشأت هذه الدولة، وتوطدت أركانها، واستمدت نظام حكمها، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، الذي كان يؤكد في كل مناسبة أن سبب انتصار أهل هذه البلاد هو الإيمان والتوحيد، وليس السلاح والعتاد، كما جاء في حديث له في مكةالمكرمة في 1/12/1348ه، الموافق 30/4/1930م، ونشرته جريدة أم القرى في عددها 283، الصادر في 6/12/1348ه الموافق 5/5/1930م: (وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب والإيمان الذي في الصدور. ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب، بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا، ولم نتخذ التوحيد آلة لقضاء مآرب شخصية، أو لجر مغنم، وإنما تمسكنا به عن عقيدة راسخة، وإيمان قوي، ولنجعل كلمة الله هي العليا). ثم يضيف في الحديث نفسه: (... نحن دعاة إلى الإيمان بالله تعالى، وبرسول الله، وبكتاب الله، وبسنة نبيه. نحن ندعو إلى ذلك جهد طاقتنا في السر والعلن، وليس في ذلك غش ولا تدليس). وهذه هي الدعوة نفسها التي نشأت عليها دولة آل سعود منذ بزوغ فجرها لأول مرة في عهد الإمام محمد بن سعود عام 1157ه (1744م). فقد جعلهم الله مبشرين ومعلمين بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح. ولهذا أولى الملك عبدالعزيز آل سعود، كما فعل أسلافه، الديار المقدسة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، جل اهتمامه وعنايته ورعايته. فبسط الأمن الذي مكّن الحجاج من الداخل والخارج لأداء نسكهم في اطمئنان وسلام، وبذل كل ما يستطيع من أجل راحة ضيوف الرحمن. ويعد استتباب الأمن، من أعظم إنجازات المؤسس، بشهادة كل من كتب عنه، وإن كانت إنجازاته تستعصي على الحصر وتفوق الوصف. ثم جاء أبناؤه الكرام من بعده، فكان كل خلف يزيد على ما حققه السلف من إنجازات وأعمال عظيمة في البقاع المقدسة، تأكيدا لمبدأ والدهم المؤسس في حديثه لأمين الريحاني: (... نحن نبني يا حضرة الأستاذ كما كانت تبني أوائلنا. ولكننا نفعل فوق ما فعلوا).. وليس مثلما فعلوا. وهكذا ظلت خدمة الإسلام والمسلمين تحتل دائما سلم الأولويات من اهتمامات الدولة السعودية وإنجازاتها، انطلاقا من شرف المسؤولية التاريخية عن خدمة الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة وزوارهما من حجاج ومعتمرين. ويدرك كل باحث منصف مدى الجهد والعناية التي أولاها حكام الدولة السعودية للحرمين الشريفين والمدينتين المقدستين في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، منذ عام 1354ه (1935م) يوم بدأت مشاريع التوسعة السعودية للحرمين الشريفين بعيد تأسيس المملكة مباشرة، إذ أمر الملك عبدالعزيز بإجراء ترميمات وتحسينات شاملة بالمسجد الحرام بمكةالمكرمة. ثم أعلن عام 1368ه (1948م) عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف بالمدينةالمنورة. وبالفعل، بدأ تنفيذ المشروع عام 1370ه (1951م) واكتمل عام 1375ه (1955م). فأضاف 12271 متراً مربعاً لمساحة المسجد النبوي الشريف. ومنذ يومئذ، ظل أبناء المؤسس يبذلون جهودا جبارة لعمارة الحرمين الشريفين وكافة المشاعر المقدسة، مستفيدين من كل تقنيات العصر لتوفير أقصى قدر من الراحة لضيوف الرحمن، وعندما تسنم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله، سدة الحكم في 26/6/1426ه (1/8/2005م) عاهدنا: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً، والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري، وأن تعيونني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء). مؤكدا عزمه على مواصلة مسيرة الخير القاصدة، وملحمة البناء المتصلة، التي أرسى دعائمها المؤسس، ووطد أبناؤه أركانها، فاستهل حكمه بزيارة أطهر بقاع الأرض قاطبة، المدينتين المقدستين، مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، مؤكدا للجميع أنه مسخر لخدمة الحرمين الشريفين. والحقيقة، توقعنا منه الكثير، لأننا عرفناه رجل دولة من طراز فريد، مخلصا لعقيدته، محبا لشعبه، وفياً لأمته، وشريكاً أساسياً في كل ما تحقق للوطن من خير ونماء، وبالفعل.. كان القائد الكبير فوق حسن ظن الجميع، إذ أدهش عطاؤه العالم أجمع، وفاقت إنجازاته، في كل المجالات، الوصف، لا سيما في الحرمين الشريفين، اللذين حظيا في عصره الزاهر هذا بأكبر توسعة لهما على مر التاريخ. ففي شهر رمضان المبارك عام 1432ه، أي قبل عام واحد ونيف، في يوم جمعة مباركة، وضع يحفظه الله، حجر الأساس لأضخم توسعة للمسجد الحرام في تاريخه. وأسس اليوم لأكبر مشروع توسعة للمسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة، يتسع لنحو مليون وربع المليون مصلٍ. وغير هذا كثير من المشاريع العملاقة في مختلف المجالات، التي تهدف لتوفير أفضل بنية تحتية لراحة المواطن والمقيم (فتحولت بلادنا في عهده الزاهر الميمون إلى ورشة عمل عملاقة تسابق الزمن لتنفيذ ما أمر به يحفظه الله، من مشروعات جبارة عمت أرجاء الوطن) كما أكد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، في كلمته إلينا بمناسبة يومنا الوطني الخالد. كل هذا وغيره كثير، حققه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، بهمة الرجال وعزيمة الأبطال، التي تعمل في صمت، دونما صخب وجلبة، ووعود جوفاء وشعارات زائفة تسوّق الوهم، وتبيع طواحين الهواء بغية تخدير الشعوب، وتغييب عقلها، ومصادرة إرادتها في حياة حرة كريمة.. فالحمد لله الذي جعل لنا قادة كراما أماجد، يتنافسون في الخير، ويتسابقون لخدمتنا.