تحول اليوم الوطني إلى مجرد دعايات وتهان وبرامج تلفازية أو أغان وحفلات موسيقية وإجازة إدارية ومدرسية، والحق أن الوطن لا يختزل في يوم وإنما هو تفاعل ونماء وتضحية وعطاء وعمل وبناء .. أقول ذلك وقد صافحت عيناي الدعايات والتهاني الإعلامية التي ملأت صحافتنا المحلية من الأثرياء ورجال الأعمال والشركات، ولو صرفوا تكاليفها للمحتاجين في الوطن لكفتهم حاجتهم ولحققت مرادا أدوم للوطن وأنفع للمواطن، من هنا استسمح القراء أن يكون حديثي للأغنياء (الذين حتما لن أكون منهم يوما!) فيا أيها الأغنياء (الذين لا نراكم ولا نعرفكم إلا على صفحات الجرائد في اليوم الوطني) إذا كان لديكم قصور فخمة، وأرصدة ضخمة، ومزارع للمتعة، وميادين لسباق الخيل ومسابح للرياضة، واستراحات لقتل الوقت وإظهار الأبهة، فإن لكم وطنا يعيش فيه غيركم من ذوي الفاقة والعوز فهل عرفتموهم وراعيتم مشاعرهم،ولامستم احتياجاتهم ؟، أيها الأغنياء إذا تكرست عندكم اليوم ثقافة أن تملؤوا الصحف تهنئة وغناء بالوطن فسألوا أنفسكم، كم مركزا اجتماعيا أسستموه ؟ وكم مستشفى صحيا بنيتموه ؟ وكم مستودعا تموينيا خيريا فتحتموه ؟ أيها الأغنياء ما أجمل مشاعركم التعبيرية الإعلانية الوطنية التي نراكم عليها اليوم، ولكن الوطنية الحقة ليست كذلك، وإنما هي بإدراك قيمة العطاء والبذل للوطن ومن يعيشون معكم على ثراه. نعم من حقكم أن تتمتعوا فيما أعطاكم رازق من يشاء بغير حساب وأن تنعموا فيما منحه العزيز الوهاب، ولكن ليس لكم أن تنسوا أن العيش الرخي والبال الرضي يحتاجان إلى ذكر حسن وسعادة حقة وهذه لا يجلبها أو يجنيها إلا من منحها غيره .. أيها الأغنياء (والله هو الغني الحميد) لماذا لا نعرف عن شركاتكم ولا تظهر أسماؤكم إلا في مناسبات التهنئة والدعايات ؟ هل نسيتم أنكم من نسيجنا الاجتماعي الذي لا تستطيعون الفكاك منه ؟ هل تدركون أن جزءا من ثروتكم (إن لم تكن كلها) نمت واقتاتت من عرق الكادحين وباحتياجات المساكين ؟ فهل ساعدتم في خلق المحبة لهؤلاء ؟ ثقوا أنه لن ينالكم من مجتمع الفقراء أذى ولن ينغصوا عليكم أو يضنوا بأخوة الوطن وشراكتكم فيه فلا تضنوا عليهم بعطائكم وزكواتكم وأنتم تبصرونهم في بيوت متهدمة الأسوار متهالكة البناء .. أيها الأغنياء الذين ملأتم صحفنا تهنئة وفرحا بالوطن في يومه المجيد جربوا أن تكون دعاياتكم في الأعوام القادمة إعلانات عن برامج للبناء والنماء لتساهم في مسح دمعة يتيم أو دفع إيجار منزل أرملة أو غسل كلية مريض بائس أو تفريج هم مدين أو جلب فرحة مقعد أو شراء علاج مريض معدم .. جربوا (ولو مرة) أن تصنعوا ثقافة جديدة للوطن في يومه المجيد بأن تكون دعاياتكم فيه سؤالا عن ذوي الاحتياجات وأحوال المعوزين، حينها تستحقون أن تتبادلوا التهاني باليوم الوطني لأنكم للوطن ومعه وفيه. إضاءة: إن الكريم الذي لا مال في يده مثل الشجاع الذي في كفه شلل والمال مثل الحصا مادام في يدنا فليس ينفع إلا حين ينتقل [email protected]