الحرارة تدفع فقاقيع إلى السطح: «لا يوافقني؟ لن أوافقه»، فينزلق الحديث في هوة التربص، وتتقد النبرات والأكباد. يفتح أزرار رقبته ليجتر خواطر: «يقاطعني بكلام عجيب. متى يتوقف ويفهم؟». يغير جلسته ويلقي بنفسه مع جليسه من فلك النقاش إلى طوفان الثرثرة. ينفس كلاهما من الغليان بعبارة لا يتفقان على غيرها: اختلاف الرأي لا يفسد.. لا يفسد أي شيء.. يرشفان شايا باردا. شظايا الكلمات تشوه المعاني. ينتفخ الرأس بالزبد: «يظن رأيه الأصوب وأن الأمر بهواه؟ أنا المحق وسأتمسك برأيي». ويدخل المكان ثالث، وتسبق رد السلام ثاني وآخر عبارة يتفقان عليها: احضر معنا واسمع واحكم. يغرف كل منهما للجليس الجديد ألفاظا وحروفا فيقاطعهما جازما حازما: لا لا لا. فاتتكم أمور وجوانب وأحداث، وعندي الخبر اليقين! يقطع الشهيق كلام أحدهم لينطلق كلام الآخر. الآذان ملتصقة بأفواه أصحابها والعقول ملتصقة بنقوش عميقة مشوهة: «كلامي صواب لا يقبل الخطأ وكلامك خطأ لا يقبل الصواب»، «لا توافقني أكن غريمك». يغرق النور في لجج اللغط، وتخرج طبعات من نقوش رديئة طمست الفطرة، وتتابع نسخ من تلك الطبعات. يحل الظلام، والنفوس والأجساد والحوارات باقية في مواضعها. تطلع شمس وتغرب، وكلما بدأ حوار عن أمر ما انتهى إلى كل ما عداه. يتحرك أقوام في الزمان والمكان بالتكامل للعمل والإنتاج ويتسابقون في النفع والابتكار، وآخرون لم يصلوا إلى طمأنينة الوعي فهم يلهثون في المكان ذاته لا يعرفون الوقت ولا يعرفهم. بعد انقضاء شهر الصوم والمراجعة، وبعد معيشة واطلاع وتأمل لسنين عديدة، من أي الفريقين أنت؟.