قال رئيس هيئة مكافحة الفساد، في تصريح منشور، إن أرقام التلاعب بالمال العام غير معروفة، ويصعب تحديدها ولو بشكل تقريبي في الوقت الحالي، وأوضح أن المصروفات الحكومية كبيرة وبالمليارات، وهيئته تعمل على التحقق والمتابعة وجمع المعلومات، وليس من مهامها التحقيق والضبط، وكما هو معروف التحقيق وإصدار الأحكام في هذه القضايا من مسؤوليات المباحث الإدارية وهيئة التحقيق والادعاء العام والقضاء الإداري، وحتى حساب إبراء الذمة الذي كان تابعا لوزارة المالية والحق بهيئة الفساد بعد تأسيسها، لم يستقبل منذ فتحه قبل ست سنوات إلا مئتين وخمسة عشر مليون ريال سعودي، والحساب خاص بمن استغل وظيفته الحكومية في أخذ أموال لا يستحقها نظاما، وإيداع المبالغ فيه يتم بطريقة تضمن سرية معلومات المودعين رغم تجاوزاتهم. وأعتقد، وربما كنت مخطئا، بأنه الوحيد من نوعه في العالم، وقد استغربت إيداع أحدهم لخمس هللات في الحساب، فمن غير المعقول أن يكون المودع قد ارتكب حماقة مالية أو ادارية بهذه القيمة المتواضعة، ولا يمكن وصف الخمس هللات بالهبة أو التبرع، فالحساب يستقبلها مثلما يقول القائمون عليه، ويجوز أن معظم الملايين الموجودة فيه جاءت من هذا الباب، أو ربما لتشجيع المخالفين على الدفع بدون تحسس. ثم إن ما أشار إليه رئيس الهيئة في تصريحه لا يتفق مع تقرير التنافسية الدولية في نسخته الأخيرة، فقد ذكر التقرير على أن المملكة تشغل مراكز متقدمة في مجال مكافحة الاحتكار والاستفادة من العقول على المستوى الوطني وجودة خدمات الاتصالات، وأنها في المجمل تحتل المرتبة الثامنة عشرة عالميا في قائمة تضم مئة وأربعا وأربعين دولة، وأرجع التقرير هذا التقدم إلى عدم انتشار الفساد في المملكة، ولا أعرف شيئا عن أساليب التقرير في الوصول إلى نتائجه، ولكن المؤكد بالإضافة للمنقول على لسان رئيس الهيئة حول الفساد وحجمه، هو الاعترافات الموثقة في الصحافة والتلفزيون ولأكثر من مسؤول سعودي، وإقرارهم بوجود فساد قديم، وأحيانا، سرطاني في مؤسساتهم، وما يتكرر في المجالس وبين الناس، والمعادلة تستوعب القطاعين العام والخاص، على اعتبار أن الثاني منفذ لمشاريع الدولة ومشارك في عملية التنمية. أيضا، طريقة التعامل مع قضايا الفساد محليا تحرض المفسدين والمفسدات على الاستمرار وتوسيع دائرة نشاطاتهم، ومن الأدلة تعريفهم بوظائفهم في الإعلام السعودي، كما حدث في خبر التحقيق مع وكيل وزارة الحج المساعد، وهذا التصرف غير مفهوم لأن الإعلام العربي والغربي لا يتحرج غالبا في التلويح بأسماء الشخصيات الحكومية في مرحلة الشبهة وقبل ثبوت الإدانة، خصوصا إذا تعلق الموضوع بتجاوزاتهم الوظيفية، والاستثناء لا يشمل إلا آحاد الناس والمجاهيل، وفي بعض الحالات، حياة المشاهير والرسميين الخاصة، والمجتمع السعودي نفسه يتسامح جدا مع الفساد الإداري، ولا يضعه في مرتبة مساوية أو قريبة من الفساد الديني والأخلاقي، وكأنه يختلف. محركات الفساد الإداري كثيرة، وأبسطها تعطيل أدوات المحاسبة العامة والعلنية ومجاملة الرقيب للمراقب وإحالة الضحية على الجلاد، والخصم لن يكون حكما منصفا مهما حاول، وعلى سبيل المثال، إذا أبلغ الموظف عن مخالفة في إدارته تحال المعاملة إلى مدير الإدارة المبلغ عنه للاستفسار، ولا يتغير الوضع إذا كان الشاكي من خارج الإدارة، وبالتأكيد، لن يسجل المدير أو المبلغ عنه دليل إدانته بيده، وافتراض التحقيق معه بشكل مستقل وبدون دليل إدانة ثابت ومستقر لن يؤثر، وهيئة مكافحة الفساد أو ديوان المظالم أو المباحث الإدارية أو غيرها من الأجهزة المعنية لن تستطيع دائما منع المخالف أو أقاربه من استخدام شبكة علاقاتهم في الدوائر الحكومية، وبالتالي لن يتورط إلا المخالف مكسور الجناح أو من يتم اختياره ليطابق مواصفات المتهم وأسباب اتهامه، وبرأيي، الحل مستحيل ما لم يبدأ بمحاربة ثقافة الفساد الإداري في المجتمع. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة