قرر الإسلام المسؤولية على الفرد والجماعة، وأقامها على أساس الإيمان بالله وفهم رسالة الإسلام، وجعلها تتحقق بعد إبلاغ العذر بالتبليغ بواسطة إرسال الرسل للناس مبشرين ومنذرين (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، وحتى لا يتخلوا عن المسؤولية أمامه يوم القيامة (رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ). وقال سبحانه وتعالى في تقرير المسؤولية: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) وقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) وبين مسؤولية الفرد واضحة في قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، وقوله: (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى)، وبين أن كل إنسان مسؤول عن عمله فردياً: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا)، وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). والمسؤولية الفردية تعني أن الإنسان مسؤول عن أقواله وأفعاله، مؤاخذ بما يقول أو يفعل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقوله: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الإنسان مجزي بعمله إن خيراً فخير، وإن شر فشر). وهو مسؤول عن جوارحه، (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)، ومسؤول عن أسرته وأفراد عائلته أن يهديهم إلى الخير ويرشدهم إلى الصواب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته). والإسلام يحمل الفرد المسؤولية ولا يعفيه منها بحيث يكون منعزلاً أو منطوياً على نفسه أو بعيداً عن مجتمعه غير متصل به، أما المسؤولية الجماعية، فتقع على الجماعة باعتبارها كلاً لا يتجزأ، ولا يجوز مطلقاً أن يهمل الترابط الاجتماعي في المسؤولية، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، وهذا الترابط يعني أن يتكاتفوا على فعل الخير والسعي إلى رفعة المجتمع ورقيه والبعد عن مواطن الفساد ولا ينخدع الضعفاء بالأقوياء، ولا يكونوا لهم تبعاً إلا بالحق والصواب وأن يأخذوا على أيدي السفهاء والجهال الذين بأفعالهم المشينة يسيئون إلى سمعة الإسلام والمسلمين ويحدون من انتشار الإسلام بين الأمم قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) وقال جل من قائل: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ)، ولذلك لا يعتبر الإغراء مبرراً للتقصير في المسؤولية، فالحليف إذا أغر حليفه، والقرين إذا رغب قرينه، والصديق إذا جر صديقه، لا يعفي أحد منهم من المسؤولية في التقصير ولا يعتبر الجهل وعدم الوعي مبرراً وعذراً، قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الهُدَى بَعْدَ إذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ). لذا فعلى الجميع أن يتكاتفوا ويتعاونوا من أجل توحيد الصف وعدم الانشقاق الذي يسعى إليه أعداء الأمة الإسلامية وأن نكون دعاة خير في أنفسنا ولأبنائنا وإخواننا ومجتمعنا وللعالم أجمع، والدعوة للإسلام مسؤولية الجميع والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. محمد سعد العفري – جدة