تعيش وسط مجالات تتجاذب جسدك ونفسك وفكرك شعاعا. يجذبك إنسان لحب ولقرابة ولصداقة ولمصلحة، ويجذبك مكان بالألفة والذكريات وبالشعور بالكثرة وبالانتماء، ويشدك منظر وطعام وشراب ولباس ومجلس. لا تعرف عن تلك الجاذبيات محيدا ولا لها بديلا، تنشغل بتفاصيلها وبموقعك بين مجالاتها، فمرة تقترب كثيرا من إنسان ومرة تغلبك جاذبية عمل ومرة تشدك هواية أو تنصرف لاستثمار ولمتاع. إذا سلمت بأن الجاذبيات تتباين وتتفاوت، تشتد وتخبو، تتشكل وتنتهي تبعا للزمان والمكان والموقف والهدف والهوى، وبأنها مؤقتة مهما تشبثت بها وتشبثت بك، فلا تنشد إليها إلا قليلا كأنها محطات استراحة واستزادة، ثم استشعرت التجرد والكفاية والاستغناء بمدخرات عقلك وقلبك وطاقتك، صرت مصدر جاذبية حياتك وخياراتك وحركتك، كنت كوكبا وحدك لا تتنازعك الجاذبيات ولا تملك عليك قلبك وقالبك.. هون عليك الهم والقلق بأن تهون كل الجاذبيات في حياتك وتزهد فيها إلا لضرورة واستثناء، بلا استسلام مطلق لوجودها ولا جزع مطلق لغيابها. كن محلقا مرتفعا تسبح بلا أثقال ولا أوهام ولا معوقات. العلاقات والمصالح والابتلاءات، وحتى تخصصك وهوايتك ومتعتك، اجتهد أن تجعلها شحنات ومطايا ترقى بها إلى مجال جاذبية يتجلى الإيمان بها والطمأنينة بها في الفرق بين إنسان لا يضيره شيء وآخر يبكي من أي شيء، لا تبق إلا في مجال جاذبية قوة واحدة دائمة ثابتة، لا تتعلق إلا بالقوة العظمى الإلهية: «وإن القوة لله جميعا». المدينة المنورة