الباعثُ على العادة التي يعتادها المرء شعورٌ محركٌ ناتج عن معرفة بما يعمله، ولا يكون ما يعمله الإنسان عادةً حتى يكرره، فإذا كرره صار عادةً له، وصارت العادة طبيعة وسجية من سجاياه، وتتمكن منه حتى تكون كطعامه وشرابه، وإذا صار الشيء طبيعة سهل أمره على صاحبه، ولو كان ثقيلاً في ذاته، وانظر إلى أحوال الناس تجدها متباينة في الجد، والعمل، والتحصيل، والإنجاز، والسعي، والنجاح، وفي كل شيء تجد ذلك بيّنًا، ويقال عن الشيء إذا كُرِرَ لا يكون عادة إلا إذا عمله الإنسان أكثر من عشرين مرّة، ويبدو لي أن الأمر يختلف باختلاف الناس، فمنهم من يألف الشيء ويتعشقه لحصوله منه مرتين أو ثلاثًا، والحكم فيه كالحكم على الحبّ الذي يكون من النظرات الأولى لدى بعضهم، وكم في المقابر من صريع بلا دية ولا قوَدٍ جرَّاء نظرةٍ، أو لقاءة، وفي العاشقين من كلف لرؤيته محبوبه في النوم، ولا يكون متمكنًا لدى آخرين إلا بعد نظرات ولقاءات ومخالطة، ومنهم من لا ينفذ إلى قلبه شيء من دواعيه. فإذا كان الخلق يتفاوتون في هذا، فهم فيما يعتادونه متفاوتون، ولكن الأمر الذي يوصَى به هنا هو: التنبيه على أن يكون مرادُك من كل ما تتخذه في حياتك واضح الهدف، وواضحًا في ذاته كأنك ترى ثمرته أمام عينيك، فإن قليلاً من تكراره يصيّره طبيعة، وقد قيل: العادة بنت الطبيعة أو بنت التكرار.