من المعروف في الأعمال الإنشائية وفي مجال تشييد العمائر والمشاريع أن «الهدم» سهل ولا يأخذ أكثر من أيام معدودة، وهناك طرق حديثة لا تتطلب فيها عملية الهدم أكثر من دقائق. أما «البناء» فيأخذ شهورا وأحيانا سنوات لتشييد مشروع واحد على أسس وقواعد صحيحة. هكذا هو «الهدم» يمكنه أن يتم سريعا في كل المجالات، أما «البناء» فهو يتطلب الجهد والتعب والصبر وقبل كل هذا «التخطيط» والعمل الحقيقي والجاد. وفي عالمنا العربي وبعد ما تم من «تغيير» لبعض الأنظمة السابقة، وجدت الشعوب العربية نفسها أمام تحديات أكثر صعوبة وتعقيدا من المهام التي أنجزوها أيام «الربيع العربي» وظنوا بها أنهم وصلوا لغاية المراد، ومنتهى الأماني، ولكنهم صدموا بكل أسف أن ما ينتظرهم هو «الأصعب» . فمهمة «بناء الدول» و «تشييد الأنظمة» هي التحدي الحقيقي الذي واجهه الأمريكيون والأوروبيون واليابانيون وغيرهم من قبل وتمكنوا من بناء دول وأنظمة يشار إليها بالبنان. وفي عالمنا الإسلامي دائما ما تتم الإشادة بالتجربتين التركية والماليزية اللتين يشار إليهما بأنهما أفضل التجارب التطويرية في الدول الإسلامية، ولا أحد ينكر أن التجربتين ناجحتان وتستحقان التقدير، ولكن النجاح ليس جديدا على المسلمين، فقد نجحت الدول الإسلامية نجاحا باهرا عبر التاريخ، وتمكن حكامها عبر العصور المختلفة من إرساء أنظمة قادرة ومتمكنة من إحداث تطور وتنمية وحضارة نابعة من بيئتنا وديننا وقيمنا وعاداتنا، امتدت وتوسعت عبر النفوذ الإسلامي الذي لامس المحيط الأطلسي غربا، وجزر إندونيسيا شرقا. ومعظمنا بات يؤمن أن لا نهضة أو حضارة من غير التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الصحيحة والمتسامحة مع الذات ومع الآخر، كما أن دور المسلم لا يقتصر على العبادة فقط من حيث الصلاة والزكاة والصوم والحج، بل لا بد أن يكون للمواطن المسلم دور في النهضة التي يشهدها العالم الآن في جميع مجالات الحياة، سواء كانت علمية أو اقتصادية أو تنموية أو اجتماعية أو رياضية، خاصة بعد ما وصلت أحوال المسلمين إلى ما هي عليه الآن من التردي الذي لا يقبله غيور على وطنه ودينه، وبات لزاما على الشباب العرب والمسلمين الإقبال على العمل والمشاركة في مشروعات تنهض بالبلاد العربية والإسلامية نحو التقدم والازدهار. ولكن تبقى حاجتنا ل «قدوة» حضارية يهتدي بها الجميع في طريق بناء «التنمية».