قال إمام وخطيب الحرم المكي الشريف الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط -في خطبة الجمعة-: إن من دأب المخلصين من عباد الله، ذوي البصائر النيرة، والعقول الراجحة، دوام الأخذ بأسباب السعادة، وكمال الحرص على سلوك مسالك الفوز وسبل النجاة، رغبةً منهم في حسن العاقبة وكرم المآل، وكثيرًا ما يعرض القرآن للمدح لهم، والثناء عليهم، بكريم خصالهم، وجميل صفاتهم. وأضاف: بعض أوصاف أولي الألباب الوفاء بالعهد الذي قطعه المرء على نفسه، والالتزام بالأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو نهى عنها، والوفاء بالعهد الذي بينه وبين الناس، من عقود ومعاملات، وأداء للأمانات، لا يخل به ولا ينكص عنه، وكذلك عدم النقض للميثاق الذي وثقه بالله. وتابع أن من صفات أولي الألباب الحميدة، صلة الأرحام، والإحسان إليهم، والصبر على ما يصدر منهم من أذى، وما يبدر منهم من جفوة وملام، كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صل الله عليه وسلم عن ربه: «قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا اللهُ، وأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها اسْمًا مِنَ اسْمِي، فمَنْ وصَلَها وصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَها قَطَعْتُهُ». وأشار إلى أن من صفات أولي الألباب التي ينبغي أن يحرص المرء على التحلي بها، الصبر في مختلف دروبه، صبر على طاعة الله، وما يقتضيه من إخلاص وبذل جهد، وصبر عن معصيته سبحانه، وما يوجبه من لجم للنفس، وكبح لجماحها، وحجزها عن النزوات والهفوات، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وما يستلزمه من رضا واحتساب وتسليم. وأفاد أن من صفات أولي الألباب أيضًا، إقامة الصلاة المكتوبة، بحدودها ومواقيتها، وركوعها وسجودها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي، الذي أمر به وبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، دون إخلال بها، أو تشاغل عنها بصوارف الحياة، وكذا الإنفاق مما آتاهم الله من رزق، على من يجب الإنفاق عليه، من أهل وولد وقرابات، وعلى من يندب الإنفاق فيه من أوجه البر، كالصدقة على البؤساء والمحرومين، أو والإسهام في مشروعات تنتفع بها الأمة، من بناء للمدراس، وإنشاء للمستشفيات، ودور للأيتام، وحفر للآبار، وتمهيد للطرق. وأكد على أن المرء إذا ملك نفسه، وألزمها سلوك الجادة، وسار بها في سبيل النجاة وطريق السعادة، ونأى بها عن أسباب التهلكة، وجنبها مسالك البوار والخسران، فإنه يكون بهذا من أولي الألباب، الذين رفع الله قدرهم، وأعلى منزلتهم، وبين ما أعدَّ لهم في دار كرامته، ومستقر رحمته، من الجزاء الضافي والأجر الكريم. وقال: إن على العكس من ذلك من كان على النقيض منهم في جميل صفاتهم، وكريم خلالهم، وهم الذين لا يوفون بعهد الله من بعد تأكيده وتغليظه وتوثيقه عليهم، بل يقابلونه بالنقض والإعراض، ويقطعون ما أمر سبحانه وتعالى بوصله من الإيمان والعمل الصالح وصلة الأرحام، ويفسدون في الأرض بالكفر والإثم والصد عن سبيل الله، فهؤلاء الذين توعدهم الله بالطرد والإبعاد من رحمته، مع ما أعدَّ لهم في نار جهنم يوم القيامة من سوء المصير.