رغم ما تعرضت له المملكة من هجمات إرهابية، من قبل مجموعة ضالة من ذوي الفكر المنحرف، إلا أن سياسة المواجهة السعودية لم تقف عند التعامل الأمني فقط، بل جعلت من التعامل الفكري ومقارعة الحجة عبر النصح الإرشاد استراتيجية أخرى تتوازى مع المواجهة الحثيثة على الأرض .. الأمر الذي حاز تقدير وإعجاب مختلف دول العالم. واعتبرت شخصيات التقت بها (اليوم) أن حملة التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب، التي نظمتها المملكة بالتزامن مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، في مختلف مناطق المملكة أسهمت في زيادة الوعي العام في دعم التعاون بين أفراد المجتمع السعودي للتصدي للعمليات الإرهابية وتعزيز الانتماء للوطن والدفاع عنه ومكافحة الغلو والتطرف الذي ينبذه ديننا الإسلامي الحنيف. أصل الدعوة وفي هذا الإطار، يقول د.أحمد الغندور «عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق بجامعة القاهرة» : ان الدعوة الاسلامية تقوم أساساً على أن نحكم بما لا يخالف الدين لا أن نحكم باسم الدين فهناك فارق كبير جدا فالأولى تعنى أننا جميعا سواء فى تنفيذ أحكام الدين الاسلامى والاجتهاد فى الدين هو أساس من أسس هذا الدين العظيم ولكنه لا يسمح لأحد أن يستقل بفرض حكم من أحكام الاسلام ولذلك فان الحكم باسم الاسلام يؤدى دائما الى أن تنفرد أى جماعة برأيها معتبرة أن ما يقولونه هو الاسلام بعينه ومن هنا جاء الارهاب بمجموعة من الناس تحدثت باسم الاسلام وفسرته تفسيرا معينا وفرضته على الآخرين. مواجهة إعلامية أضاف : لقد بذلت وزارة الثقافة والإعلام جهودا كبيرة لمحاربة الفكر التكفيري المنحرف من خلال البرامج الإذاعية والتلفازية التي استضافت فيها العلماء والمشايخ وتناولوا الفكر التكفيري وأبانوا بالحجة والبراهين خطأ المنهج وصححوا المفاهيم الخاطئة والمغلوطة مستدلين على ذلك بما جاء في القرآن والسنة وما نقل عن السلف الصالح وأئمة المسلمين. وقد عملت الدولة عبر أجهزتها الرسمية على تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث جذوره من خلال إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الأعمال المشروعة وقامت بإنشاء هيئة أهلية كبرى تتولى الإشراف والتنظيم على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية بهدف تنظيم عمل تلك الهيئات وعدم السماح لذوي النوايا والأهداف الشريرة باستخدام الهيئات الإنسانية لأعمال غير مشروعة. واستطرد قائلاً : ان المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت إليه المملكة وعقد بمدينة الرياض أوائل شهر فبراير عام 2005م يعد واحدا من الجهود الدائبة للمملكة في مكافحة هذه الآفة العالمية في إطار دولي وجانب من جوانب عمل المملكة المستمر في محاربة الإرهاب حيث ترى المملكة دائما أن القضاء على الإرهاب لن يتم إلا بتعاون دولي في استئصال جذوره ومعالجة أسبابه . صورة خاطئة أما د.عماد عبدالغفور «رئيس حزب النور السلفى» فقد أكد أن الاسلام لم يأمر بالعنف أو القسوة واستدل بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره. وقال : لما سئل عبدالله بن عمرو بن العاص عن صفة الرسول فى الكتاب الأول «التوراة» قال على نحو من صفته فى القرآن وقال ما ورد فى التوراة هو «يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظاً ولا غليظاً ولا سخاباً فى الأسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن تعفو وتصفح» وتتفق هذه الآية مع آيات كثيرة من آيات القرآن مثل «فاصفح عنهم وقل سلام» .. فلابد من تغيير الصورة الخاطئة للاسلام والمسلمين وما يعرف ب «الاسلاموفوبيا» ولا يتأتى هذا الا عن طريق تغيير ثقافتنا كشعب ابتداءً من الاطفال الصغار فى المدارس الى طلاب الدكتوراة والماجستير حتى تكون المعانى الاسلامية السامية والمتسامحة من التكوين الداخلى لكل انسان ولذلك فقد بذلت وزارة التربية والتعليم فى المملكة العربية السعودية جهودا لتوعية الطلاب والطالبات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها في الإسلام والآثام التي تقع على مرتكبيها وحث المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات بذلك وتوجيههم إلى الطريق الصحيح وغرس حب الوطن وطاعة أولياء الأمر في نفوسهم كما ركزت على تعزيز الأمن الفكري وخصصت يوما دراسيا كاملا خلال العام الدراسي لإقامة معرض في كل مدرسة للبنين والبنات عن الإرهاب والأعمال الإجرامية التي ارتكبها أرباب الفكر التكفيري وما نتج عنها من قتل للأبرياء وتدمير للممتلكات ومقدرات الوطن لتوعية الطلاب والطالبات بأهمية الحفاظ على أمن البلاد والعباد والوقوف صفا واحدا ضد كل من يعبث بالأمن باسم الدين وهو منه براء. ثانيا لابد من تعديل المنظومة الاعلامية التي تبث الافكار والمعاني التى تنبذ أفكار الارهاب والعنف والأعمال الدرامية التى تشجع على ذلك . ثالثا لابد من عمل جولات عالمية ومحلية لشباب المسلمين ويعرفون العالم كله بطرق الاتصال المباشر قيم الاسلام وأخلاقياته لذلك نظمت المملكة بالتزامن مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب حملة التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب في مختلف مناطق المملكة دامت أسبوعا كاملا شاركت فيها جميع القطاعات التعليمية والأمنية وهدفت إلى زيادة الوعي العام في دعم التعاون بين أفراد المجتمع السعودي للتصدي للعمليات الإرهابية. الانتماء للوطن وأصدرت المملكة جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الالكتروني إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية عديدة عن موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الحاسب الآلي وتحديد أنواعها . وفى هذا الاطار فقد كثفت وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة من المحاضرات والدروس الدعوية والتوعوية في المساجد لبيان خطأ الفكر التكفيري وتحريمه وتجريم من يعتنقونه ومن يرتكب أعمال العنف ضد المسلمين ومقدرات الوطن. تجفيف المنابع أما د.أحمد فوزى «أستاذ القانون الدولي بجامعة بني سويف» فقال : لقد حثت الشريعة الاسلامية على التعامل بسماحة ورحابة وعدم الدعوة الى الفظاظة فى القول والعمل وعلى ذلك رفضت الحكومات الاسلامية فى كل الدول العربية الربط بين الارهاب والشريعة الاسلامية بشكل عام بل وقام بعضهم بسن قوانين خاصة لرفض الارهاب لا سيما بعدما أصدرت الجمعية العامة للامم المتجدة قراراتها المعنية بضرورة مكافحة الارهاب حيث تم انشاء لجنة خاصة لمعرفة أسباب الارهاب والدوافع التى تؤدى اليه ووسائل التخلص منه وقد درست اللجنة أسباب الارهاب وقد تبين أن الاسباب الحقيقية وراء ذلك تنبع من الفقر والجهل والتعصب المذهبى وعدم وجود ديموقراطية سياسية وبناءً عليه رأت اللجنة أن سبل الارهاب تتمثل فى العمل على زاويتين : الأولى : النهوض بعوامل الديموقراطية السياسية فى الدول التى تعانى من الديكتاتورية بحيث يسمح لمواطنى هذه الدول بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم السياسية والمشاركة فى العملية السياسية بحرية ودون قيود. الثانية : وهى النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات المتضررة اجتماعياً واقتصادياً بحيث يسمح لهم بفرص الحصول على التعليم المناسب والوظائف الاجتماعية المناسبة وتحسين ظروفهم المعيشية والصحية الأمر الذى ينعكس عليهم ايجابا ويمنعهم من الانخراط وراء دعوات الارهاب وعلى ذلك فقد قامت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية باحداث تعديلات سياسية جوهرية عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين مرسوما ملكىا يسمح للنساء بالمشاركة في العملية الانتخابية والادلاء بأصواتهم كما صدرت مراسيم أخرى بتعديلات فى الهياكل الوزارية للدولة تسمح بحرية الرأى وتتيح قدراً كبيرا من حرية الاعلام. وعلى المستوى الاقتصادى والصحى والاجتماعى فقد انتقلت المملكة بمواطنيها نقلة كبيرة لمكافحة الارهاب من خلال تحسين الظروف المعيشية «الاقتصادية والاجتماعية والصحية» للمواطن السعودى من خلال رفع رواتب المواطنين بمن فيهم المغتربون بما يتناسب مع تحسين ظروفهم المعيشية الى جانب ذلك فقد تم تنظيم ظاهرة التأمين الصحى للعاملين بالدولة وغير العاملين بها وقوانين النهوض بالمرأة المعيلة كما قامت المملكة فى الفترة الأخيرة بزيادة حجم الانفاق على التعليم والارتقاء بالطلاب فى جميع مراحلهم التعليمية.
هل يتآمر الغرب على إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ؟ ما زال الاسلام مقيما فى خانة الاتهام من قبل الغرب بشقيه الرسمى والشعبى الى حد ما بأنه الوجه الآخر للإرهاب وثمة آلة إعلامية قوية لديه تخاطب النخب والجمهور مكرسة هذا المفهوم بل ووصل الأمر الى حد القيام بشن حروب على خلفية هذا الاتهام مثلما جرى فى أفغانستان والعراق غير الحروب الخفية. واللافت أن هذا الاتهام ليس وليد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وانما هو موغل فى القدم ويمتد الى فترة الحروب الصليبية والتى يطلق عليها بعض الباحثين حروب الفرنجة وظل هذا الاتهام يتمدد حتى بلغ ظاهرة يطلق عليها العلماء ظاهرة الاسلاموفوبيا أى الخوف المرضى من الاسلام والتى تصاعدت فى الآونة الاخيرة حسب رؤية الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامى ولكن هل يعود هذا الاتهام الى مؤامرة غربية أم أن ممارسات المسلمين هى التى قادت الى تكريسه فى منظور الآخر غير المسلم للإجابة على هذا التساؤل وغيرها كانت هذه اللقاءات مع عدد من المفكرين والمسئولين الذين لديهم رؤية عميقة بمعطيات إشكالية علاقة الاسلام بالارهاب هنا حصيلتها. تأصيل للإرهاب بداية يوضح الدكتور يحيى أحمد الكعكى المفكر الاسلامى اللبنانى أن الإرهاب لغة واصطلاحا يفيد - استنادا إلى جميع المعاجم العربية - بأن هذه الكلمة تعود إلى كلمة (رهب) بكسر الهاء بمعنى خاف وإلى أصل كلمتي «أرهب» و«استرهب» بمعنى أخاف وأدخل الخوف إلى الآخر والآن تأتى كلمة الإرهاب كمصدر من المصادر في كل المعاجم العربية إلا أنه شاع في أوساط المجتمع الدولي وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والتى رافقها ظهور مقولة الإسلامو فوبيا أو الخوف المرضي من الإسلام مع أن العكس هو الصحيح أي أن ما رافق هذه الأحداث من تداعيات جعل الخوف على الإسلام وليس من الإسلام هو القضية وهذه هي بعض الحقيقة لأن ما يحاول البعض اتهام الإسلام به أي الإرهاب ليس إلا إرهابا «معولما» لا دين له ولا جنسية والهدف من هذا الاتهام المقصود من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية خصوصا هو تشويه الصورة الحضارية للإسلام: الاعتدال والوسطية ولحضارته ولشخصيته الثقافية العلمية المميزة ولإنسانيته وتسامحه وانتفاء عنصريته وذلك بهدف الترويج من قبل هذه الأيدي الخفية في المجتمع الإنسانى بأن «الإسلامو فوبيا» هي القضية الأمنية الأولى التى يجب أن تقلق وتهدد السلام والاستقرار في العالم وكل ذلك يتم بواسطة حرب الأفكار المعولمة. ويتوقف الدكتور الكعكى عند ظاهرة «الاسلامو فوبيا» متذكرا المؤتمر الذي عقد بمدينة اسطنبول التركية في أواخر 2007 بدعوة من اتحاد المنظمات الدولية في العالم الإسلامي وبدعم من منظمة التعاون الإسلامي واشترك فيه 60 محاضرا من أكثر من 40 دولة لمناقشة هذه الظاهرة وقال إن المشاركين في المؤتمر اتفقوا على أن هذه الظاهرة ليست بجديدة وتعود برأيهم إلى العصور الوسطى وتتابعت في حرب الفرنجة ضد مصر والشام مضيفا أيا كانت نقطة البداية فإن هذه الظاهرة تفاقمت منذ أحداث 11 سبتمبر2001 لافتا إلى أن تعبير الإسلام فوبيا قد استخدم قبل عام 1978 حيث نشر في إحدى الدراسات البريطانية ضمن تقرير لجنة استشارية قدم لحكومة المملكة المتحدة بعنوان ظاهرة «الإسلامو فوبيا» مظاهرها ومخاطرها حددت فيه التغييرات السلوكية والفكرية للظاهرة وربطت نموها بتزايد أعداد الأجانب والمتعطلين وقدمت عدة توصيات للجهات الحكومية لاحتواء هذه الظاهرة وذلك يعنى - كما يقول الدكتور يحيى- أن هذه الظاهرة كانت موجودة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 أما بعد هذه الأحداث فقد أصبحت بمثابة حدث يومي في الغرب كله وأصبحت ظاهرة أكثر أهمية وخطرا من التمييز العرقي وباتت مستشرية في عالم الغرب حيث إنهم يحددون النظرة العدائية للإسلام من خلالها. تصحيح الصورة وأسأل محدثنا: في ضوء هذه المعطيات كيف يمكن للعرب والمسلمين تصحيح هذه الصورة المشوهة لدى الغرب عن الإسلام فيجيب قائلاً: البداية تنطلق من ضرورة مواكبة الفكر الإسلامي المتجدد باستناده إلى الأصالة لهذه الهجمة على الثقافة الإسلامية وذلك من خلال نشر الفكر الدينى الوسطى الرافض لكل شكل من أشكال التشدد والغلو والجمود والعنف والتقليد وهذا من باب الأولويات أي أن يكون العنوان العام في الاستجابة الاسلامية لهذا التحدى هو في ثقافة التجديد عن طريق تعليم وتخريج دعاة حضاريين يمتلكون القدرة على توصيل الفكر الإسلاي المعتدل والوسطى إلى الآخر بعيدا عن الغلو والتطرف. وهنا يشدد الدكتور يحيى على أن الدعاة العقلاء من المسلمين مطالبون بإبراز تعاليم الإسلام في صفائه ونقائه وتسامحه بعيدا عن أي تحريف وتشويه وبأن يكونوا نماذج حية لقيم الإسلام النبيلة وتعاليمه السامية السمحة والتأكيد على ان الإسلام هو دين السلام وقد اشتق لفظ الإسلام من الأصل نفسه الذى اشتق منه لفظ السلام ولا شك أن العالم في حاجة إلى الإسلام لترسيخ أسس السلام والاستقرار مطالبا بأن تكون رسالة المسجد في الألفية التى نعيشها رسالة الأصالة والمعاصرة ورسالة الحضارة الإسلامية ورسالة إسلام الحضارة والاعتدال والوسطية على هدى من العقلانية الإسلامية. لكن هل يثق العرب والمسلمون فى تجاوب الغرب مع محاولاتهم لتصحيح صورة الاسلام وإبعاد تهمة الارهاب عنه؟ المعضلة تكمن فى أن الغرب لديه الخوف المرضى من الاسلام وهو ما رفع من نسبة اللاوعى الذى يسيطر على الغربيين من خلال الاعلام الذى يوحد أفكارهم باتجاه منطقة المؤامرة بمعنى أن هناك مؤامرة عليهم من قبل الاسلام والمسلمين وهو ما يقابله فى الوقت نفسه اعتقاد لدى معظم المجتمعات الاسلامية بأن هناك مؤامرة غربية عليها وشخصيا أرى أن تفسير الأمور بمنطق المؤامرة يصيبنا بالإحباط والتراجع وعلينا أن نتجاوز ذلك حتى نخرج من هذه الدوامة كمجتمعات عربية واسلامية, واذا كانت ثمة مؤامرة فإنه يتعين علينا أن نثبت للآخرين أن إرادتنا مستقلة وهويتنا وثقافتنا ومعتقداتنا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نتخلى عنها , فلقد دعانا القرآن الكريم الى إعمال الفكر للوصول الى الحقيقة بعيدا عن التأثر بالآخرين أو خوفا منهم أو مجاملة لهم. حرب أفكار من هنا – كما يضيف الدكتور الكعكى – فإن العبء الأكبر فى هذه الاستجابة الاسلامية وحتى العربية لهذا التحدى من قبل بعض المجتمعات الغربية يتمثل فى حرب الأفكار المعولمة من الإعلام الغربى هى بمثابة رسالة الاسلام الحقيقية فى إطار الاعتدال والوسطية وعلينا أن ننطلق الى آفاق الاستنهاض المنشود ب «تغيير العقلية» اى الموازنة بين الأسباب «الدينية» و«الدنيوية» بعقل متفتح وعمل منتج لمواجهة تحديات وقضايا العصر , عصر تقنية المعلومات وبالتالى من الضرورة بمكان مواكبة المستجدات آخذين فى الاعتبار أن الأمة لن تقوى الا بالتجدد المستمر ولن تضيع قوتها الا بكثرة الكلام لأن العالم يسوده اليوم «العقل» ويحكمه «الفكر» و«التقدم» و«ثورة تقنية المعلومات» ويخلص الدكتور الكعكى الى القول «يجب علينا فى ضوء ذلك كله أن تكون استجابتنا لهذا التحدى من قبل المؤسسات الإسلامية والعربية الكبرى ومن خلال منظمات المجتمع المدنى ثم من الأفراد, فمع هذه التحولات الدولية الكبرى فإن الافراد يجب أن يكونوا فى مجتمعاتهم مواطنين عالميين وليسوا متقوقعين على الذات بهدف حل اشكالية الحفاظ على خصوصية شخصيتنا الثقافية وهويتنا الحضارية وطروحات العولمة الاسلامية أى ايجاد صيغة توزانية تعترف بالواقع الذى يؤكد يوما بعد يوم أنه لا مستقبل لشخصية ثقافية مستقلة عن الفكر العالمى أى عن العالمية ولا جدوى من «عالمية» لا تكون نابعة من الحوار المتصل بالخصوصيات الحضارية للمجتمعات المتعددة وإنمائها فى إطار من العولمة الانسانية. إعجاز إلهي ووفق رؤية الدكتور شمران العجيلى رئيس بيت الحكمة العراقى، فى لقاء معه على هامش زيارته للقاهرة الاسبوع الماضى فإن الاسلام العظيم انتشر عبر أرجاء العالم باعجاز إلهى عبر الدعوة والتجارة والقدوة الحسنة وهو ما جعل له مكانة عالية فى نفوس البشر الذين آمنوا به وانتموا اليه وهو ما دعمه العلم والاكتشافات العلمية ومع فشل الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية وغيرها فى الغرب دفع الناس الى الاتجاه الى الاسلام وتجلى ذلك فى اعلان الكثيرين من مواطنى أوربا وأمريكا وآسيا يعلنون اسلامهم وهو ما أفزع الغرب وولد قناعة قوية لدي قياداتهم وأجهزتهم الأمنية بأنه فى حال ترك الاسلام ينتشر بهذا القدر من المرونة والشفافية والحرية فقد يقود ذلك الى نهاية الغرب نفسه فكانت البداية بمحاولة تشويه صورة الاسلام من خلال صناعة جماعات وتيارات معينة تتولى القيام بهذه المهة نيابة عن الغرب فى المجتمعات الاسلامية نفسها ومنها على سبيل المثال جماعة التكفير والهجرة فى مصر فى سبعينيات القرن الماضى والتى قامت بقتل وزير الاوقاف المصرى الاسبق الدكتور محمد حسين الذهبى وغيرها من تنظيمات سواء فى مصر أو فى العالم العربى والتى بلغت ذروتها بإطلاق تنظيم القاعدة الذى تمدد من الجزيرة العربية الى غيرها من مناطق العالم والذى قام بأحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 والتى أفرزت تداعيات شديدة السلبية على صورة الاسلام والمسلمين على نحو جعل الارهاب لصيقا بهذا الدين الحنيف القائم على التسامح والقبول بالآخر والتعددية ولاشك – يتابع الدكتور العجيلي قوله – أن القيام بحجز الصحفيين والاعلاميين والسياسيين وقطع رؤوس البعض ووضع المتفجرات فى المناطق الحيوية بعواصم الغرب فضلا عن وقائع الحادى عشر نفسها فى نيويورك وواشنطن وما تلاها من أحداث ثم تهديدات رموز تنتمى لحركات اسلامية فى الغرب مثل ابو حمزة المصرى فى بريطانيا بقتل الناس وتكفيرهم ساهم على نحو أو آخر فى تشويه صورة الاسلام. صناعة غربية هل أفهم من ذلك أن كل هذه الاحداث هى صناعة غربية؟ بنسبة مائة فى المائة بهدف صبغ الاسلام بالارهاب حتى يتجنبه الناس فى الغرب خاصة أن نفرا من العرب والمسلمين القابعين تحت النفوذ الغربى يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا فيستجيبوا لما يطلب منهم فيقومون بالأعمال التى تشوه صورة الاسلام. ما الذى يمكن أن نفعله عربا ومسلمين لمواجهة ذلك ؟ علينا أن نوضح الحقائق لإظهار الأباطيل, فدورنا أن نكشف للناس حقيقة الاسلام الحق والصحيح ومصادرهوذلك يتطلب من علماء المسلمين وبالذات علماء الازهر تكثيف جهودهم وحشد طاقاتهم فى هذا الاتجاه من خلال عقد الندوات والمؤتمرات المعدة على نحو جيد ووفق القواعد العلمية والمنهجية وبشرط أن تكون بعيدة عن إشراف اصحاب النفوذ الغربى فمن شأن ذلك أن يفشل هذه الجهود. نظرة مشوهة مازال الغرب وبالتحديد الدول الأوربية وامريكا ينظرون الى الاسلام نظرة مشوهة فهل يتطلب ذلك جهدا استثنائيا لاقناعها بتعديل موقفها بالذات على صعيد إلصاق تهمة الارهاب بهذا الدين الحنيف؟ لعلك تتذكر أنه عندنا سنت فرنسا قانونا بمنع ارتداء الحجاب لم يبد الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الازهر السابق انزعاجا كبيرا ووقف موقفا معتدلا ورأى أنه لا علاقة لنا بمثل هذا القانون فهم اصحاب الارض والسلطة والقانون , وذلك يعنى بوضوح أنه لا يجب أن نفرض رؤيتنا على الآخر وأظن أن ذلك هو الاتجاه الصحيح خاصة فى ظل النظرة الأحادية التى يتبناها اصحاب التيارات الراهنة التى تقول إما أن تكون معنا أو أنت كافر وهو ما يتجلى فى قيامها بقتل أو قطع رؤوس المختلفين معهم أو على الأقل التهديد بذلك وهو ما لمسناه خلال السنوات الماضية ولاشك أن مثل هذه النزعات تشكل خطرا كبيرا على المجتمعات البشرية ومن هنا فإنه على النخب الفكرية والثقافية الاسلامية مسئولية كبرى فى التبشير بأشكال جديدة من الوعى بحقائق الاسلام لانقاذ الشعوب المسلمة والدين الاسلامى من خلال حشد كل طاقاتهم عبر المؤتمرات والجامعات والمراكز العلمية والصحف ووسائط التقنية الحديثة ولا شك أن ذلك يعد واجبا ملحا عليهم تجاه الامة فى هذه المرحلة التى نعيشها , اى باختصار مطلوب بناء ثقافة جديدة فى المجتمعات الاسلامية. تعاون المؤسسات الدينية من يقوم ببنائها هل هى المؤسسات التعليمية أم المؤسسات الدينية؟ من الضرورى تعاون المؤسسات الدينية والجامعات فيما بينها لا لكى تفرض الجامعات رؤيتها على المؤسسات الدينية ولا لكي تتصرف المؤسسات الدينية على نحو غير علمى أو موضوعى أو كيفى أو بناء على المشاعر أو العواطف وإنما لوضع برنامج متكامل تقوم الدولة ومؤسساتها بمقتضاه بصياغة الثقافة الجديدة التى تقوم على التسامح. تشويه الصورة هل تعتقد أن محاولات تشويه الغرب لصورة الاسلام هو جزء من مؤامرة غربية؟ بالطبع وذلك لإبعاد الاسلام عن المشهد المؤثر فى العالم فالغرب يخشى من كل التزام اسلامى وأذكر أن صحفيا نمساويا عندما شاهد مواطنا مصريا يتوضأ لاداء صلاة الفجر بمدينة الاسكندرية فى شتاء أحد الأعوام سارع بارسال تقرير لصحيفته بفيينا مؤداه أن مصر ستغزو اوربا هكذا ينظرون للاسلام والمسلمين. ظاهرة الاسلاموفوبيا هناك ظاهرة الاسلاموفوبيا المنتشرة فى الغرب فكيف يمكن حل هذه العقدة من قبل العالم الاسلامي؟ من خلال أن نبين للغرب حقيقة الاسلام وحقيقة المسلمين المتدينين الملتزمين حقيقة والمنحرفين عن جادة الاسلام وذلك بكل الوسائل الحديثة ودعوتهم لمشاهدة الاسلام فى بلاده على حقيقته فضلا عن تبادل الزيارات مع رموزهم ونخبهم حتى يدرك العقلاء والحكماء والفاهمون من الغربيين أن الاسلام شيء وأن الارهاب شيء آخر ولأن ظاهرة الاسلاموفوبيا قد اتسع مداها في الغرب خلال السنوات التى أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فقد أولاها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي منذ توليه منصبه أهمية قصوى للتصدى لها وأسس مرصدا أطلق عليه مرصد الاسلاموفوبيا ليقوم برصد الممارسات الغربية على هذا الصعيد وهو يرى أن أنها في ازدياد حالياً في العالم خصوصاً في القارة الأوروبية،وهو ما يلقي عبئاً أكبر على الدول الإسلامية والمسلمين في مختلف أنحاء العالم لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام.
التسامح وقبول الآخر خُلُقٌ إسلاميّ على مرّ العصور أكد علماء أزهريون أن التسامح أهم خلق يميّزه الإسلام عن باقي الأديان السماوية الأخرى خاصة دعوته لقبول الآخر والتعدّدية الدينية، وأن هناك كثيرا من المواقف التي تؤكد تسامح الإسلام مع اتباع الديانات الأخرى واحترام معتقداتهم بأمر من الله «لكم دينُكم وليَ دين». يقول الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية:إن الارجاف أو ما يسميه المجتمع الدولي الآن الإرهاب، لايمكن أن يكون وليد الأديان وإنما هو وليد العقليات الفاسدة والقلوب الفاسدة، والنفوس المتكبرة، فالقلب الربّاني لا يعرف الفساد ولا يعرف التخريب ولا يعرف الكِبر. وأضاف: إن الإسلام دين تسامحٍ وتعايش سلمي مع كافة البشر أفراداً وجماعات، وان الدين الإسلامي ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق مكرّم، دون النظر الى دينه أو لونه أو جنسه، وأنه لا يخفى على كلِّ من عرف مدى اهتمام الإسلام بالسلام العالمي، حيث جعله دعامته الأولى ، بل إن السلام اسم من أسماء الله وصفاته، ومن هنا كان السلام شعار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منذ ظهور الإسلام حتى الآن. ويرى مفتي مصر، إن أوّل مقوِّمات الرُّقي والتقدم للأمة ،هي صلاحية أفراد المجتمع صحيَّاً وبدنيا لآداء وظائفهم فنجد ان للحروب والعقوبات الاقتصادية آثارا وخيمة على صحة الأمم وعافيتها. وأضاف: إن تسامح الإسلام مع المخالفين في الدين حقيقة اعترف بها بعض علماء أوربا الذين أمعنوا النظر في تاريخ العرب ، وبالتالي فليس من العدل والإنصاف الاعتقاد بأن الإرجاف (الارهاب) من الاسلام، لمجرد أنه صدر من مجموعات تنسِب نفسها الى الإسلام، وإلا لكانت هذه دعوى لهدم جميع الاديان، لافتا الى أن الارهاب الواضح الصريح الذي يقوم به الكيان الصهيونى لا يمكن أن نحسبه على تعاليم الدين اليهودي، فالاديان جاءت لرحمة الناس ولنشر العدل والسماحة بينهم. إن تاريخنا الإسلامي حافل بالامثلة الرائعة على تسامح الإسلام ومنها عندما جاء رجل ورفع السيف على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: من يمنعك منّي يا محمد؟ قال: الله، ثم سقط السيف من يده، ثم أخذه النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال لهذا الرجل : «من يمنعك مني؟» ثم أخذه إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، فتعهد للنبي- صلى الله عليه وسلم- ألا يحاربه، ولا يكون مع قوم يحاربونه، فالتسامح أحرجه وأخذ منه كلّ قلبه. واقع وليس شعارا وقال الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف المصري السابق: لا بد من إبراز قيمة التسامح لدى المسلمين على المستويين النظري والعملي ،والكشف عن أنّه لم يكُن شعاراً لا مضمون له، وإنما كانت وستظل واقعاً معاشا له رسوخه في العقول ومكانته في القلوب وجذوره في التاريخ. ويتابع الدكتور زقزوق قائلا:ولا يكتفي الإسلام بتعليم اتباعه هذا التسامح بوصفه شرطا من شروط السلام الضروري للمجتمع الإنساني بل يطلب منهم ايضا الالتزام بل يطلب منهم الالتزام بالسلوك العادل الذي لايقبل الآخر فحسب، بل يحترم ثقافته وعقيدته وخصوصياته الحضارية. واختتم الدكتور زقزوق حديثه بالتأكيد على قيمة التسامح الإيجابى بوصفه تسامحاً شاملا أو تسامحا دينياً، ومن هنا فقد كان التزام المسلمين بهذا الخلق الرفيع وهذه القيمة السامية التي تميز الحضارة الاسلامية عن غيرها من الحضارات الإنسانية . وحول دعوة الاسلام للتسامح ، يقول الدكتور جمعة:اذا كان غير المسلمين لا يصدقون بالقرآن الكريم ولكنهم يعتقدون اننا نصدق بالقرآن الكريم الذي يأمر المسلمين بالتسامح في نص مقدس»فأصفح عنهم وقُل سلام فسوف يعلمون» فعليهم كذلك ان يعتقدوا اننا سنتعامل مع العالم في إطار هذه الآية. كما يضرب لنا مفتي الديار المصرية بعض الأمثلة الحية من التاريخ الإسلامي مثل المعاهدة التي أبرمها النبي- صلى الله عليه وسلم- مع نصارى نجران ،وجاء فيها:»ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد على انفسهم ومِلّتهم وأرضهم واموالهم وغائبهم وشاهدهم...الى أن قال : وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي ابداً حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا» وهذه صورة عملية شاهدة على تسامح الإسلام. قيمة إسلامية ومن جانبه يقول الشيخ محمد محمود حمودة موجِّه عام شئون القرآن بالأزهر: إن التسامح قيمة من القيَم التي رسّخها ديننا، ورسختها شريعتنا الغراء، وبالتسامح تتقدم الأمة ويعلو شأنها، فالتسامح والتيسير والوسَطيَّة قيَمٌ حثّ عليها الإسلام ، وهناك كثير من المواقف التي تبيّن كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متسامحا مع أهله ومع جيرانه ومع أصحابه ، بل مع أعدائه، فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم -مثالا حقيقيا للتسامح حتى مع أعدائه، فمثلاً ،في يوم فتح مكة ،حين قال النبى -صلى الله عليه وسلم- للقُرَشيّين «ما تظنون أنّي فاعلٌ بكم» قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم ، قال»اذهبوا فأنتم الطُّلقاء»، ومن أمثلة التسامح في حياته- صلى الله عليه وسلم- أنه عفا عن ابن أبي سلول رأس النِّفاق وزاره لمّا مرض، وهو الذي آذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عرضه يوم حادثة الإفك. ويضيف الشيخ حمودة: إن تاريخنا الإسلامي حافلٌ بالامثلة الرائعة على تسامح الاسلام ،ومنها عندما جاء رجل ورفع السيف على النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال: من يمنعك مني يا محمد؟ قال: الله ثم سقط السيف من يده، ثم أخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال لهذا الرجل : «من يمنعك مني؟» ثم أخذه إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، فتعهّد للنبي- صلى الله عليه وسلم- ألا يحاربه، ولا يكون مع قوم يحاربونه، فالتسامح أحرجه وأخذ منه كلَّ قلبه. ويتابع الشيخ حمودة حديثه قائلا: ولقد تعددت مواقف الصحابة اقتداءً برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومنها على سبيل المثال، انهم لمّا توسّعوا فى الفتوحات الاسلامية أقاموا العدل في البلاد التي فتحوها وتحلّوا بالتسامح مع أهلها ،فلم يهدموا الكنائس التي كانت في هذه البلاد ، وإنما تركوها مراعاة لحرية العقيدة، ومن ابرز هذه الامثلة: عندما فتح عمرو بن العاص مصر ، وخلّص أهلَها من ظلم الرومان الذين قتلوا وسفكوا الدماء ، فإن عمرو بن العاص لم يأمر بهدم الكنائس ، وإنما تركها حرّية لعقيدة أصحابها ، عملاً بقول الله تعالى:»لا إكراه في الدين» وهذه الكنائس ما زالت موجودة حتى الآن. وهي خير شاهد على تسامح الاسلام.