قالوا قديما: أكل العنب حبة .. حبة. أما اليوم فيؤكل العنب وكرمه في لقمة واحدة، وبهذه الطريقة النهمة وغير السليمة لا يمكن إلا أن تغص، في الأكل وغير مستبعد أن تموت إن لم تتم عملية المضغ كما يجب وينبغي، فكل شيء حتى يتم نضجه واستواؤه ونجاحه يحتاج إلى مقدمة وتمهيد وأهداف وخطوات بل إلى أطوار وأطوار ليشتد ويستوي ويرى النور، كما يحتاج أيضا قبل طرحه وتطبيقه وتنفيذه إلى دراسة وافية ملمة بكل شيء تعي وتراعي ظروف الجميع طارحة الحلول ثم الحلول، لكي يستفيد منها الكل دونما انزعاج أو توجس أو ريبة مما قد تؤول إليه الأمور وما لايحمد عقباه في حال الفشل لاسمح الله أو العوارض التي قد نتفاجأ بها من قبل بعض المغرضين.. ولكن للأسف فإننا نجهل أو نتجاهل ذلك حين نواكب التطور بل ونلغي تلك النظريات المتعقلة من حساباتنا، ونتاجا لذلك تجد البعض منا يقفز بسرعة الصاروخ حتى لو لم يمتلك أرجلا وأقداما نطاطة ومطاطة فكل ما يهمه القفز وبأي طريقة ولو لم تتناسب مع ظروفه وظروف من حوله بل وطبيعة وخصوصية مجتمعه. وآخرون تجدهم يسيرون ببطء السلحفاة أو لا يسيرون أصلا ويوقفون عجلة الحياة معهم وإن كانت تسير وهم الثابتون في أماكنهم لا يتزحزحون شبرا، ومن بين هؤلاء، المتجمدون في أماكنهم وأولئك الصرعى من المتعجلين ومن قلبوا موازين الحياة على رؤوسنا ورؤوسهم انحرافا وزيغا عن الطريق واتباعا لأهواء أنفسهم الصاعدة والنازلة لا شيء إلا للندم والخسران حيث (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة).. وصنف آخر يشكل الأغلبية منا ألا وهم الحيارى والمترددون وكل من يعانون الغبش وضبابية ما هو آت حيث لا يجدون خطة أو خارطة واضحة المعالم تطمئنهم عن أحوال مستقبلهم وتزيل رهبة الخوف من (بعبع) التطور الذي قد يهدد حياتهم وطموحاتهم المستقبلية حيث يجهلون المصير، فكل ما حولهم مجرد رؤى تطويرية وتسويفات مستقبلية غير مؤكدة قد تنجح أو تفشل حيث إنها بلا ضمانات أو حوافز أو امتيازات إلا التضحية من أجل التضحية، لإشباع عشاق التطور، وإما أن تكون أو لا تكون.. وفي حال قررت أن لا تكون فستجد الكل من حولك يقول لك (مع نفسك) بلغة المارقين عن التمدن ورقيه وغير الآبهين بما تحدثه النقلة من هزة في نفوس من يحسبون للخطوة ألف حساب، ف (غلطة الشاطر بعشرة).