من الأساسيات في مفهوم الدولة وجود أنظمة وتشريعات وقوانين تضبط العلاقات بين المجتمع والدولة وبين أفراد المجتمع، وتحدد خطوط الفصل بين ما هو حق للفرد لا تجوز مصادرته، وما هو ضمن صلاحيات مؤسسات الدولة التي لا يجوز التعدي عليها أو الإخلال بها. إعطاء الفرد نفسه حق التصرف نيابة عن المجموع دون تفويض منهم أمر غير مقبول مهما كانت المبررات، وتجاوزه للقيام بما هو مناط بأجهزة الدولة، أو الاعتراض على قراراتها بأسلوب يتجاوز إبداء الرأي تجاهها إلى محاولة تعطيلها بالعنف الاجتماعي والإرهاب الفكري هو نوع من التعدي السافر على المجتمع والدولة يصعب قبوله أو استساغته في هذا الوقت، والتغاضي عنه بما يسمح بتكراره يشكل خطرا حقيقيا.. حرية الرأي تجاه أي قضية يجب أن تكون مكفولة للجميع طالما هي في إطارها السلمي وبلغة تحترم بقية الآراء، لكن الأمر يختلف حين يعبر البعض عن رأيه بأسلوب تنفيذي يحول قناعاته إلى ممارسات إجرائية هو صاحب الصلاحية والقرار فيها.. منذ فترة طويلة ونحن نسمع عن بعض من يطلقون على أنفسهم صفة المحتسبين يعترضون على قرارات وأنظمة ونشاطات وفعاليات تحت مظلة رسمية بأساليب يخالطها عنف لفظي ويشوبها أحيانا إجتراء على مكانة الدولة ممثلة في بعض مؤسساتها ومسؤوليها. صدرت قرارات تختص بالتعليم فذهبوا أكثر من مرة إلى وزارة التربية والتعليم لفرض رأيهم وليس لفهم حيثيات القرارات. هاجموا الابتعاث للدراسة في الخارج وكالوا ما يفيض من الذم للقائمين عليه وحاولوا تشويه الملتحقين بالبرنامج بكل ما استطاعوا من خيال. تهجموا على معارض الكتاب واعتدوا على الزوار وبعض الكتاب والمثقفين والمسؤولين. وحين صدرت قرارات لتمكين المرأة من الالتحاق بأعمال تنتشلها من البطالة وتتفق مع طبيعتها وتحتكم إلى ضوابط تحميها، ثارت ثائرتهم وتحولوا من الاحتساب بالرأي إلى الاحتساب باليد في بعض الأحيان، ولم يعد سرا دخولهم أكثر من مكان تعمل فيه الفتاة لترهيب إدارة المحل والفتيات العاملات لزرع الخوف في نفوسهن ودفعهن لصرف النظر عن فكرة العمل، مع أن هذا العمل لا يزيد إلى الآن عن كاشيرة أو عاملة في محل للملابس النسائية.. قبل فترة قريبة اقتحموا وزارة العمل وأصروا على مقابلة الوزير ومسؤولي الوزارة لتوضيح المفاسد التي يترتب عليها عمل المرأة، ولو كانوا لم يسبقوا هذه الخطوة باحتساب ميداني لكانت مقبولة منهم. وقبل أيام قليلة قام بعضهم عبر موقع خاص بهم على شبكة الإنترنت بحشد حملة في كل الاتجاهات لمنع عمل الكاشيرات في كل مناطق المملكة، وبلغة فيها الشيء الكثير من التحريض على العنف إذا لزم الأمر. هذا ما حدث إلى الآن، ولا نعلم ماذا سيحدث غدا إذا ترك المجال مفتوحا لهؤلاء يمارسون الاعتراض بطريقتهم الخاصة، فهل يمكن أن يستمر الحال هكذا؟. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة [email protected]