إن مفهوم المواطنة الحقة يتجاوز كل الدلالات اللغوية المحضة، ويترجم واقع القيم النبيلة والمبادىء والأساسيات التفاعلية الإيجابية والأخلاقية بين الفرد المواطن ومجتمعه الصغير من جهة والأرض والوطن والنسيج المجتمعي من جهة أخرى. فالمواطنة أو الانتماء الوطني بشكلٍ أدق ليست عباراتٍ نحفظها ونرددها بين الفينة والأخرى أو نتلقاها في مؤسساتنا ومدارسنا؛ بل هي حقيقة لابد أن نعايشها ونتفاعل معها ونؤمن بمفهومها حفاظا على لحمة المجتمع وتهيئته لمواجهة كل التحديات والعقبات التي تتربص باستقراره وأمنه وتآخيه، فجميع مكونات هذا المجتمع وعناصره الفاعلة فيه هي جزء مؤثر في غرس قيم المواطنة من خلال المساواة والعدل والإنصاف والبناء والحوار والوحدة ولن يأتى ذلك إلا إن بدأ المواطن بنفسه أولا ، وأدرك حقوقه وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه ودينه. إن غرس قيم الانتماء الوطني ليست من قبيل العبث، بل هو مشروع وطني تسهم فيه جميع المؤسسات والأجهزة الحكومية والملتقيات والفعاليات الأهلية داخل المجتمع، وقيم المواطنة تضمن عدم انتهاك الحقوق والواجبات بجانب المحافظة عليها وعلى حقوق الإنسان بل تؤدي إلى احترام القوانين والتشريعات والرموز المختلفة المعبرة عن الذات والآخر والوطن والمجتمع والدولة، والمدرسة الأولى في غرس هذه القيم هي الأسرة اللبنة الأساسية في بناء أي مجتمع، فمتى ما كانت الأسرة ضليعة في الدور المناط بها لتربية النشء التربية الصحيحة وتعويده على كل ما يجعل منه مواطنا صالحا يلتزم بتشريعات دينه وعادات وأعراف مجتمعه وقوانين وأنظمة بلده؛ فإننا بذلك سنكون نسيجا متلاحما يقود الأجيال نحو التنمية الشاملة والوحدة الضاربة.. إننا نعيش الآن في مرحلة صعبة من الإرهاصات والتجاذبات الفكرية المختلفة والمشكلات المحلية والدولية المعقدة التي يلعب فيها الإعلام بشتى وسائله دورا لايستهان به في توجيه وتحوير الأدمغة إلى أجندته الخاصة التي بالكاد ستؤثر سلبا أو إيجابا على قيم المجتمع الواحد ومن بينها «المواطنة» التي تعتبر حجر الزاوية في كل معادلة وطنية وأمنية وقومية.. نحن في هذا البلد المعطاء أدام الله عزه وحفظ وحدته محاطون بالكثير من المخاطر والتدبيرات التي تسعى إلى الإساءة إلى هذا الوطن والنيل منه بطريقة أو أخرى؛ مما يستدعي منا الحيطة والحذر كمواطنين ومؤسسات دولة، والعمل على تعزيز قيمنا والحفاظ عليها وتحديد وتطوير وتكثيف البرامج التي تضمن وحدة هذا النسيج. بدر عبد الله العسكر (عفيف)