على مدى أكثر من 20 عاما مضت، قدر لي وبحكم ظروف عدة أن أكون قريبا من مدار الحرس الوطني.. ذلك الجهاز العسكري العملاق الذي اضطلع بأدوار عديدة وهامة في مسيرة الأمن والتنمية الشاملة في المملكة العربية السعودية وعبر عقود. كان عام 1368ه هو النواة التي تشكل على إثرها ذلك الجهاز، إذ أمر المؤسس الباني، غفر الله له، بإنشاء مكتب الجهاد والمجاهدين، والذي تطور في العام 1374ه، ليصبح الحرس الوطني وليتولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز رئاسته رسميا في العام 1382ه، وبتعيينه، حفظه الله، شهد الحرس الوطني الانطلاقة الكبرى، بانتقاله من مجرد وحدات تقليدية، من المتطوعين وثكنات من الخيام، إلى مؤسسة حضارية كبرى استمرت في النهوض والتطور حتى يومنا هذا. وتأتي أهمية الحرس الوطني ككيان في كونه الجهاز الذي تقع على عاتقه جل المهام الجسام في الحفاظ على الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت الحيوية والحساسة، والمساندة في إنفاذ الخطة الأمنية للمواسم، وما يصدر لها من مهام. ويمتلك الحرس الوطني قوة قتالية ضاربة مدربة وحديثة التجهيز لا يستهان بها لتنفيذ أصعب المهام المطلوبة في الحرب، وله تسند عدة أدوار في وقت الأزمات الطبيعية كذلك. ولعل ما يميز الحرس الوطني دوره البارز والمميز في خدمة الموروث والثقافة، فعلى مدى عقود أوجد الحرس قاعدة فكرية متجسدة حملت الخصوصية السعودية بكل تفاصيلها، وأسهمت في رفع درجة الحوار البيني داخليا وخارجيا، ونجحت في تحويل رؤى التاريخ من الأسفار إلى الأنظار عبر المشروع العملاق «المهرجان الوطني للتراث والثقافة»، فكانت قرية الجنادرية.. والتي تشرفت بالكتابة عنها في أول رسالة علمية لنيل درجة الماجستير في التاريخ المعاصر وعلى مستوى العالم. إن شجرة الحرس الوطني وارفة الظلال، لم تكن لتظهر بهذا المستوى من التميز والشموخ، لولا ذلك الجهد الخلاق الذي أولاه لها مليكنا المفدى، وبوجود الرجال المخلصين أمثال سمو الأمير بدر بن عبدالعزيز والشيخ عبدالعزيز التويجري وغيرهم، ممن أفنوا زهرات شبابهم خدمة لله ثم المليك والوطن. وللمملكة الآن أن تفخر بهذه المؤسسة العسكرية الثقافية الرائدة، وأن تتباهى برئيسها الفارس سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان لأياديه البيضاء وفكره النير وتخطيطه العميق الدور الأبرز في إظهارها بهذا الشكل الحضاري الخلاق، فقد كان ولا زال المحور الذهني الذي تدور عجلة التطوير الدراماتيكي من حوله، بدعم وتوجيه من القائد الأعلى للقوات المسلحة الفتية، وقد شهدت وغيري ممن تشرفوا بمرافقة سموه في بعض المناسبات، مدى الحكمة وبعد النظر وحجم الدقة والحزم الذي يتمتع به، وهو وبلا شك شخصية قيادية نادرة، تميزت بأدائها المغاير في مواسم السلم والحرب، وله وقفاته التي سيسطرها التاريخ المعاصر بمداد من ذهب، فهو صانع نهضة، وأحد البناة الرئيسيين لمنظومة الأمن الشامل في مملكة الحرمين الشريفين السعودية، مهبط الوحي وقبلة المسلمين من مشارق الأرض ومن مغاربها. متعب بن عبدالله.. رجل دولة من الطراز الأول.. إذا قال فعل. [email protected]