يتوغل جنود مشاة إسرائيليون في وضح النهار في مدينة رام الله بالضفة الغربية ويرفعون علما فوق نقطة تفتيش مؤقتة، وفي تحد تحت شمس الصيف الحارقة يهتف حشد يضم أطفالا ونساء وشبانا يرتدون الجينز في وجه الجنود الذين يرتدون الزي العسكري ويحملون البنادق. وتلوح في الأفق بوادر اشتباك، وهنا يرتفع صوت المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي معلنا انتهاء تصوير مشهد في فيلمه الروائي الطويل «فلسطين ستيريو». ويصحح مشهراوي لممثل يقوم بدور جندي إسرائيلي كيفية إلقاء قنبلة غاز مسيل للدموع ويوبخ حشدا من الناس لأنهم لم يتراجعوا إلى الخلف بالقوة الكافية. ويهتف أحد مساعدي مشهراوي في زاوية بالشارع تحولت إلى موقع تصوير قائلا: «بسرعة وكل واحد في اتجاه مختلف».وتبلغ ميزانية الفيلم 1.5 مليون دولار ومن المنتظر أن يصبح أحد أكثر الأفلام التي ينتجها فلسطينيون تكلفة، ويهدف إلى تخطي التقارير الإخبارية المبتذلة واستخدام الفن في توضيح عقلية شعب يعيش تحت الاحتلال منذ 45 عاما. وقال مشهراوي الذي تربى في مخيم للاجئين في غزة: «هذه هي قصة كل فلسطيني يحب هذه الأرض لكنه يتعرض لضغوط تجعله يفكر في تركها. وفي نفس الوقت فإن المشهد ليس حزينا كله، فهناك أمل وقصة حب وأفكار بشأن المستقبل، وشهدت السينما الفلسطينية نهضة في العقد الماضي ووسعت آفاقها العالمية».وعرض آخر أفلام مشهراوي وكان بعنوان «عيد ميلاد ليلى» في مهرجانات سينمائية من تورونتو إلى طوكيو في عام 2008. ورشح فيلم ينتمي للكوميديا السوداء بعنوان «يد الهية» لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2002، كما غاص فيلم «الجنة الآن» في سيكولوجية الانتحاريين في عام 2005 وحظي بثناء عالمي. وقال مشهراوي: «ربما لن يغير أي أفكار لكن يمكنه على الأقل أن يظهر حياتنا اليومية أمام جمهور مختلف، عبر دور السينما في فرنسا وألمانيا وغيرهما». وتدور أحداث فيلم «فلسطين ستيريو» حول شقيقين تصدمهما غارة إسرائيلية مميتة على مخيم اللاجئين الذي يعيشان فيه، الأمر الذي يدفعهما للتفكير في الهجرة. ومن خلال عملهما على تدبير الأموال اللازمة للسفر عبر العمل كمهندسي صوت يطلع الشقيقان على أبهة الحياة في الضفة الغربية، حيث تتداخل مشاهد الفيلم مع تفاصيل الواقع على الأرض.ويجهز الشقيقان نظام الصوت في مؤتمر تحضره شخصيات مهمة في فندق محلي وهو مشهد يتكرر كثيرا على الساحة السياسية الفلسطينية كما يظهران في مشهد وهما يقدمان مكبرات للصوت في مسيرة حقيقية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية في مقر الصليب الأحمر في رام الله. لكن أبرز المنغصات اليومية لحياة الفلسطينيين وهي نقاط التفتيش الإسرائيلية والحواجز وعمليات التفتيش لم تكن ظاهرة فحسب يوم التصوير، حيث ضبط الأخوان وهما يحاولان تهريب معداتهما إلى القدس خلال مشاجرة، وإنما أثرت أيضا على إنتاج الفيلم».وقال عبدالسلام أبو عسكر منتج الفيلم الذي ساعد على تنظيمه من خلال شركته سينيبال فيلمز لرويترز: «أوقفنا الإسرائيليون بمعداتنا لأربع ساعات عند نقطة تفتيش على الطريق من الشمال».وأضاف: «اضطر أفراد طاقمنا الأجانب إلى إبلاغ المطار بأنهم في زيارة لإسرائيل فحسب، لأن سلطات الجوازات الإسرائيلية تحقق بشكل روتيني مع من يزورون الأراضي الفلسطينية وتفرض قيودا عليهم». ورغم العقبات يجسد الفيلم الإمكانات المتنامية لصناعة السينما الفلسطينية رغم أنها ما زالت تعتمد على المساعدات الخارجية والاتصالات الشخصية.