ذكريات لم تزل عالقة في ذهن الفريق ركن متقاعد طلال عنقاوي مدير حرس الحدود سابقا لعل من أبرزها أيام وليالي رمضان وصورة التكافل التي كانت تجعل الناس سواسية كأسنان المشط فموائد الأغنياء والفقراء لم يكن بينها تفرقة في ظل التعاضد الاجتماعي الذي كان المجتمع يتميز به في الثمانينات الهجرية تحديدا قبل التطور ونمو المدن. ولا ينسى العنقاوي العلقة الساخنة التي نالها بعد ذهابه لمقعد في السينما فأخذه النوم بعيدا عن متابعة الفيلم الذي حرص على متابعته.. ذكريات ومواقف أخرى في ثنايا الحوار التالي : • في البداية نود الحديث عن رمضان في الزمن الجميل، كيف كان وما أبرز الذكريات التي لاتزال عالقة في وجدانكم؟ كان رمضان حياة أخرى وبهجة ومظاهر مختلفة ومميزة عن بقية أيام السنة كان نمط حياة مميزا خاصة أننا قضينا حياتنا وطفولتنا وصبانا إلى أن التحقت بكلية الشرطة في عام 1383ه كانت في مكةالمكرمة، فعشت حتى السادسة عشرة من عمري في مكةالمكرمة وعلى ما أذكر أننا بدأنا نتدرب على الصيام منذ سنوات الطفولة المبكرة وحسب حديثي مع الوالدين رحمهما الله بالذات الوالدة رحمها الله كانت تقول إننا ندربكم على الصيام منذ بداية سن الطفولة والاهتمام والحرص على الصلاة في السابعة من العمر تقريبا فكانت هناك روابط في رمضان تنعش ذاكرة الإنسان فأذكر أننا كنا في تلك السن نصوم بعض الوقت ونحرص على ذلك إلى أن نتعب ثم مع اللعب كنا نأخذ ونتناول بعض الشيء ليعطينا حيوية وطاقة جديدة ثم نستأنف فكان صياما من وراء الزير كما يقولون. • وماذا عن سفرة الإفطار، كيف كانت وما أبرز محتوياتها؟. كان ذلك أيضا مظهرا متميزا خصوصا على أصوات مدافع الإفطار وصوت الأذان من الحرم المكي الشريف، وكان لهذا الشهر عبقه وروائحه المميزة ابتداء من روائح المطبخ ثم بخور المستكا الذي كان يبخر به الماء وبخور البيت والاستعداد لفترة الإفطار والسفر التي تمتد وكانت تثير شهيتنا جدا حتى أن تلك الروائح والمظاهر رسخت في الذاكرة منذ تلك السن وحتى الآن، وأذكر أن فترة «العصرية» كنا نعمل مراسيل مع الجيران نحمل الأطباق بين البيوت، بيوت الجيران، فصاحبة البيت هذا تبعث بشيء مما أعدته إلى جاراتها وبالعكس ما بين سبموسة وأطعمة ومشروبات مختلفة، وهكذا.. كان ذلك مظهرا جميلا من مظاهر التواصل والألفة والمحبة والمشاركة بين الجيران وكانت سفرة رمضان لا تخلو من الضيوف والزوار، وكنوع من حب الخير كان الأهالي والسكان يحرصون على إطعام الآخرين وتفطير الصائمين من المحتاجين، وكان الأهالي والشبان يحرصون على إطعام الآخرين وتفطير الصائمين من المحتاجين والفقراء والعمال وهو ما أصبح الآن يتم في المساجد بينما كان في السابق يأتي هؤلاء إلى البيوت وكانت الأسر والبيوت المقتدرة تحرص على أن تكون دورهم مفتوحة لمثل هؤلاء، وكان يتم وضع سفر خاصة للعابرين والفقراء والمحتاجين، وكان هناك ترحيب شديد بذلك وكان توجد حالات في الأحياء أو الحارات بيوت يأتي إليها إفطارها من الميسورين والمقتدرين، فكان هناك مظهر رائع من التكافل، فالمقتدر والميسور يعطف ويمد يده للمحتاج وأصحاب الظروف الخاصة إلى درجة أنك تجد أن بعض بيوت الفقراء تحتوي أطعمة أفضل من المقتدر لأن الجميع يتسابقون لأجل أن يعطى هؤلاء من الأطعمة والمشروبات التي جهزوها في البيوت فكانت سفرة هؤلاء مثلا أكثر تنوعا وتعددا لأن جميع الجيران يرسلون إليهم. • في تلك الفترة كان الحر شديدا ولا يوجد أجهزة تكييف هل لكم أن تصفوا لنا أجواء الصيام في تلك الحقبة ؟ على ما أذكر خاصة في رمضان عندما يكون مجيؤه في فصل الصيف كنا نصبر على ذلك ونحتسب. وكانت ذكريات الصيف أكثر من الشتاء لأن الفترة التي سبقت التحاقي بكلية الشرطة كان رمضان يأتي غالبا في فصل الصيف ولم يكن في وقتها هناك مكيفات فكان والدنا يرحمه الله ينام في وقت الظهر «في المقعد» أو مكان يسمى «الدهليز» وكان أبرد مكان في البيت ونحن في وقت راحته بين الظهر والعصر أو بعد العصر نحضر شراشف الصلاة الخفيفة ونبل تلك الشراشف في الماء ونغطيه بها ونروح عليه أنا وأخي سامي حتى يأخذ كفايته من النوم والراحة. • وكيف كنتم تقضون ليالي السمر في الشهر الكريم ؟ كانت هناك بعض الأنشطة التي كانت تمارس في رمضان، فكنا من هواة كرة القدم أنا وأخي وسامي وأيضا هناك بعض الألعاب الأخرى وكانت هذه الأنشطة منتشرة في بعض المناطق وبالذات في مكة، فكانت ظاهرة الرياضة منتشرة بعد صلاة الفجر فكنت تجد بعض التجمعات والأنشطة الرياضية التي كانت تمارس بعد صلاة الفجر وربما لازالت موجودة حتى يومنا هذا، فكنا نأخذ «حوش» ونقضي بعض الوقت في اللعب والمشاركة في هذه الأنشطة كنوع من التسلية خاصة أنه لم تكن هناك دراسة في تلك الفترة في رمضان فكنا في الإجازة الصيفية مثل الآن عندما عادت الكرة وأصبح رمضان في فصل الصيف فكان لدينا وقت كافٍ جدا للعب والصيام وأعمال المراسيل بين الجيران، وفي العصر كان برنامجنا كما قلت لك توفير سبل الراحة للوالد، ونعمل مراسيل بين بيوت الجيران لتبادل الأطباق والمأكولات لأنه لم يكن هناك خدم. وأذكر أننا كنا ندخل مع الوالدة يرحمها الله إلى المطبخ ونعمل معها لمساعدتها، نعمل السمبوسة ونفرد العجين ونغسل الأطباق والأواني ونحضر السفرة معها ونستمتع بذلك متعة شديدة، وأنا بالذات كنت أشعر بثقة كبيرة في تلك الأعمال فكنت أمضي كثيرا من الأوقات مع الوالدة وتعلمت منها أشياء كثيرة من أعمال المطبخ والطبخ ولازلت والحمد لله أتقنها. • هل سبق لكم الصيام خارج الوطن.. وإن كان تيسر ذلك فهل لكم أن تتحدثوا لنا عن هذه التجربة ؟ قضينا شهر رمضان مرة أو مرتين في مصر ومن الذكريات المرتبطة بذلك أنه في ليلة العيد خططنا نحن وأولاد الجيران لكي نخرج للفسحة، وكنا نسكن في حي القلعة وكان صديق الوالد يرحمه الله السيد حسن أزهر معه أولاده ففي ليلة العيد اقترح أحد الزملاء من أبناء الجيران في مصر وكنا في سن 14 و 15 سنة وشجعنا على أن نغتنم عرضا سينمائيا وقال لنا هناك ثلاثة أفلام في السينما بقيمة دخول فيلم واحد فذهبنا ولم نعطِ أحدا من الأهل خبرا، وكنا ستة زملاء فذهبنا إلى صالة العرض ودخلنا.. أذكر أننا بعد دخولنا شاهدنا جزءا بسيطا من الفيلم الأول ثم نمنا جميعا على الكراسي نوما عميقا ولم نستيقظ سوى على صوت الشيخ حسن أزهر يصرخ في الصالة بأسمائنا ولعله بحث عنا وسأل حتى استطاع أن يعرف مكاننا، وأكلنا «علقة ساخنة» بعدها كانت عيدية مميزة. • حدثنا عن فترة عملكم في حرس الحدود وذكريات رمضان إبان تلك الفترة. كانت هناك ذكريات مميزة في رمضان فكنت أحرص في أوقات وفترات مختلفة على القيام بجولات للتفتيش وكان لي هدفان من ذلك، أولا إعطاء شعور معنوي كبير لرجال حرس الحدود الذين يعملون في الميدان بالمشاركة، وكنت حريصا وزملائي على مشاركة الأفراد الإفطار في مواقعهم في الميدان في الحدود البرية، في حدودنا جهة اليمن، وفي الشمال، فكنت حريصا على أن لا يكون البرنامج مقيدا بحيث نكون عند الإفطار في المكتب أو في قيادة القطاع.. إننا نفطر حيثما يحين موعد الإفطار سواء ونحن سائرون بالسيارة أو عند دورية معينة أو مركز معين في أي مكان مصادفة، ونواصل ثم نتناول العشاء في المركز الرئيسي أو قيادة القطاع، وكان لذلك أثر كبير وطيب في نفوس العاملين من الأفراد والضباط، وسنويا كنت أحرص على رحلات العمل والجولات بمعدل رحلة أو رحلتين في الشهر كل رحلة كانت تستغرق في حدود الأسبوع تقريبا. • كيف تقضون يومكم في رمضان بعد التقاعد ؟. أستمتع جدا بقراءة القرآن سواء في الليل أو في النهار وأحرص على مرافقة أبنائي إلى صلاة التراويح (القيام) ، فسبحان الله في رمضان وقت الإنسان يكون مليئا تماما حتى ساعات النوم تقل في شهر رمضان ولكن يجد المرء نفسه في نشاط وحيوية، أيضا أحب المشي، وأكره في رمضان التباطؤ والكسل والخمول الذي نلاحظه من بعض الموظفين والعاملين في مختلف الإدارات، وكأن الشهر الكريم شهر كسل وخمول بينما هو شهر نشاط وحيوية وعبادة، أيضا ما أكرهه واستغرب منه هو حدوث المشكلات والعراك والعصبية من البعض سواء في الشوارع أو الأعمال، لذلك أتحاشى في رمضان أي مراجعات في الإدارات، أيضا لا أحب قيادة السيارة في رمضان تجنبا لبعض التصرفات والمواقف التي تحدث في الشوارع والطرقات خاصة في الفترة بين العصر والمغرب حيث تكون تصرفات وسلوكيات غريبة من البعض وغير مرغوبة. • على ماذا تحرص في رمضان ؟. أحرص على أشياء كثيرة وذات أهمية.. فأنا لا أتنازل عن النوم ولو جزءا من الليل مهما كان حتى لو وجدت نفسي مضطرا في الأيام الأخيرة من رمضان لابد أن أنام لو لساعات يسيرة في الليل لأنه لا شيء يعوض نوم الليل أبدا.. أنا ضد فكرة البعض الذين يرفضون أو لايحبذون العمل في رمضان، فبرنامجي هو أنني أذهب إلى مكتبي بعد الظهر مباشرة إلى صلاة العصر ثم أعود إلى البيت وأقرأ القرآن أو أقوم ببعض الزيارات للأقارب.. كذلك أحرص على أن أعمل في وقت يتراوح ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا.. ثم برنامجي المنزلي أمضيه في قراءة القرآن وقضاء وقت مع الأسرة ثم صلاة المغرب والعشاء والتراويح في الجماعة، كذلك الزيارات والتواصل مع الأقارب والأصدقاء والأرحام، وأحرص على تجنب الزحام مع أن جدة مزدحمة دائما ويزداد ازدحامها في رمضان، خاصة أن رمضان حاليا يتزامن مع إجازة الصيف ويرتادها الكثير من غير أهلها وسكانها، وهم القادمون من مناطق المملكة المختلفة بالإضافة إلى القادمين من خارج المملكة للحرمين الشريفين فتشهد حركة مزدحمة في الأسواق والشوارع وتتضاعف الحركة في جدة.