العلامة الشيخ صالح بن غانم السدلان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، يعد أحد أبرز العلماء في السعودية. وهو يحظى بتقدير خاص من الدعاة وطلبة العلم؛ لسنه الكبير وخلقه العالي.. استضفناه في “شمس” في حوار مختلف، كشف فيه عددا من الجوانب الشخصية الرمضانية، حيث مررنا على جزء من سيرته الذاتية، مع عرض لمواقف مرت به، ولم يخل اللقاء من استعراض آرائه في بعض القضايا المعاصرة.. السدلان كشف في حواره أنه كان يمارس لعبة كرة القدم، لكنه استدرك بقوله: “مارستها، لكن على نطاق ضيق”.. نترككم مع تفاصيل ما جاء في الحوار: * ماذا يعني لك شهر رمضان؟ شهر رمضان يعني لي كمسلم سمع كلام ربه، بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وأدركت من هذا المعنى أن الله سبحانه وتعالى نادانا بصفة الإيمان؛ ما يجعلنا نستعد لسماع ندائه سبحانه وتعالى، الصيام واجب عليّ كمسلم، ومعنى كُتب أي فرض، وأفهم من هذه الآية أن الصيام مكتوب حتى على الأمم التي قبلنا، لكن يختلف في عدد الأيام والأوقات من أمة إلى أخرى، كما نفهم أن الصيام من خلال هذه الآية سبب في التقوى، وفيه خير كبير للمسلم، فمن خلال الصوم تتحقق أمور كثيرة، من ضمنها الصحة البدنية، وتزكية النفس، ورضا الله عز وجل. ومن فوائد الصيام أنه يقلل الذنوب والمعاصي، ولعلك تشاهد تورع الناس أن يقترفوا ذنوبا في نهار رمضان، وإن كان الأمر ينقلب عكسا في ليله، لكن المهم هو هذا الورع الذي أصابهم لكي لا يجرحوا صيامهم، وإن كنا ننبههم أن جرح العمل ينسحب إلى الليل أيضا فرب الليل والنهار واحد سبحانه. * ماذا عن ذكرياتك الرمضانية؟ في الحقيقة ذكرياتي مع رمضان، تتناول جوانب عدة، منها ما كان في بداية حياتنا هنا في الرياض، عندما كنا صغارا، ومنها ما كان متأخرا، لكن أذكر أن الحياة كانت بسيطة، وما زلت أذكر لعبنا كصبيان في نهار رمضان ببراءة، وعندما كنا نجتمع كعائلة كبيرة على مائدة الإفطار يجتمع الحب والوئام بيننا، أذكر من رمضان ما كنا نفعله من طلب للعلم وثني الركب عند المشايخ والعلماء في ذلك الوقت، كما أذكر من رمضان مواقف جميلة، وربما أن للسحور موقفا خاصا معنا. * ما قصة السحور إذن؟ عندما كنا صغارا كنا نظن السحور كائنا حيا، وكنا نتحفز في أول يوم من رمضان لرؤية هذا الضيف وهو السحور، وكنا نخترع القصص حوله، كأن يأتي إلى الأطفال ويوزع عليهم الأموال والحلوى وغيرهما، وأذكر أننا اجتمعنا عند الوالدة نستحثها لتكشف لنا عن السحور، ونسألها أسئلة عدة: متى سيأتي، وماذا لديه؟.. وتجيبنا ببراءة كما نحب، إلى أن جاءت ساعة الصفر، وحان وقت الكشف عن السحور لتكون المفاجأة أن السحور لم يكن سوى صحن مليء بالمرقوق أو الجريش، ليسقط في أيدينا ونحن من كنا نمني النفس بنسج الأحلام والقصص، وأن الحلوى ستكون أول ما سيقدمه لنا. * ماذا أيضا من ذكريات رمضان؟ أن الوالد يرحمه الله كان يغمس رداءه في الماء، ثم يرتديه حتى يوفر له قدرا بسيطا من البرودة، ففي وقتنا الماضي لم تكن هناك مكيفات وأجهزة تبريد، بل كان الأمر صعبا وشاقا قليلا، ومن الذكريات أننا كنا نجتهد في العبادة كثيرا، سواء في الليل أو النهار، ومع بساطة الناس تجد غالبيتهم يجتهدون في الصلاة وقراءة القرآن، وأذكر أنني حفظت القرآن في سن ال12، وكنت أدرّس أخواتي بعد انتهائي من الدراسة من الكتاتيب. * بالنسبة إلى الصيام متى صمت للمرة الأولى، وكيف كان صومكم؟ بالنسبة إلى الصيام، فأول ما صمت كان عمري في العاشرة تقريبا، وصمت رمضان كاملا، أما قبله فكنت أصوم بشكل متقطع، وأذكر أننا مع كوننا صائمين، كنا نمارس الرياضة والجري، وكان كبار السن يستغربون من جَلَدنا وصبرنا، فمع صومنا نتحرك، ونلهو ونلعب؛ ما يشكل لديهم علامة استفهام كبيرة. * ما الألعاب التي كنتم تمارسونها في ذلك الوقت أو الأدوات الترفيهية بالنسبة إليكم؟ في الحقيقة أدركت “السيكل”، وأذكر أن العوائل كانت تشتريه لأبنائها ليساعدوها في تحميل وتوصيل الأغراض المنزلية؛ لأن الرياض بدأت تكبر، وأذكر أنني اقتنيت واحدا منها، كما كنا نلعب ألعابا عدة، منها لعبة اسمها (الكعابة) وكنت أمارس كرة القدم، حيث أدركتها في ذلك الوقت، لكن ليس بهذا الجنون الموجود اليوم، ولم نكن نشجع أو نهتم بها بشكل كبير، وكان لعبي لها على نطاق ضيق. *هل كان لديكم في ذلك الوقت مثلا أئمة معروفون تصلون خلفهم؟ لا. لم يكن الأمر كذلك، ولم نكن نعرف التنقل الذي يقوم به بعض الشباب اليوم هداهم الله، وإنما كنا نصلي في المسجد القريب منا وكل واحد يصلي في المسجد القريب منه. ولو تحدثت قليلا عن ما يقوم به الأئمة اليوم من قراءة غريبة للقرآن الكريم، كأن يكررون الآيات بطريقة تدعو إلى العجب، ويحاولون أن يقرؤوها بطرق مثيرة، فأنصحهم بالابتعاد عن هذا المنهج غير السوي في قراءة القرآن الكريم. وفي ظني أنهم السبب في تنقل الشباب؛ لأنهم يعلقون الشباب بالصوت الحسن، ولا يعلقونهم بالقرآن الكريم، فدخول الصوت الحسن أمر جيد، لكنه ليس مقصدا، فالقرآن الكريم مؤثر بذاته. * ما هي المظاهر التي تعجبك في رمضان؟ يعجبني في رمضان اتباع السنة، والحرص عليها من الناس، بشكل عام، وتؤسفني المظاهر المناهضة للسنة التي تدل على جهل كبير بها. * ماذا عن طلبكم للعلم؟ كنا نطلب العلم حتى في نهار رمضان، كنا ندرس ونتعلم ونذهب إلى الدراسة في المسجد، وكنا ندرس حتى الوقت الحرج من آذان المغرب، لنعود إلى البيت من أجل الإفطار. وكما قلت لك إننا مع كل هذا كنا نمارس الرياضة، أما لو تحدثنا عن طلب العلم، فأكثر من تلقيت عليه العلم هو شيخنا العلامة الشيخ عبدالرزاق العفيفي يرحمه الله، وشيخنا: عبدالله بن حميد وعبدالعزيز بن باز، ويؤسفني حقيقة ما دونته مجلة التوحيد أخيرا عن حياة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وقد كتبت أنت أبرز تلاميذه ولم تذكرني معهم، مع أنني أكثر طالب أمضى في التدريس على يديه، فقد أمضيت 12 عاما وأنا ملازم له، وهو أكثر من استفدت منه يرحمه الله رحمة واسعة. * هل حصلت بينكم وبين بعض العلماء مواقف يمكن أن تسردها لنا؟ الحقيقة أنني كنت كما قلت متواصلا مع الشيخ عبدالرزاق كثيرا، وكذلك الشيخ ابن باز وكان يحب أن يأتي عندي وأدعو طلبة العلم والمشايخ للحضور، فتكون أمسية علمية جميلة، أذكر أن الشيخ ابن باز كان يسهر عندي في البيت حتى الواحدة، لكن ليس مثل سهر اليوم، على لعب ولهو، وإنما على تدارس مسألة علمية أو حديث نبوي، أو تفسير آية قرآنية، ونتباحث حولها، في جو علمي تجمعنا فيه الألفة والفائدة. * لو تحدثنا عن المظاهر الرمضانية التي اختفت شيخنا الكريم؟ نعم. من المظاهر التي خفت ولا أقول اختفت، الاجتماع اليومي فيما يسمى بعشاء الوالدين، وهو اجتماع الأبناء جميعا عند والديهم؛ ليتسامروا ويأكلوا معا، وهو إن كان خف لكنه لا يزال موجودا والحمدلله، وربما هذا من تأثير الحياة المدنية على الناس، وبعد المسافات أسهمت في ذلك، لكن هذا المظهر الذي أرى أنه يجب أن يهتم به؛ لأن فيه برا بالوالدين وصلة لهم، واجتماعا لشمل العائلة التي لا يمكنها أن تجتمع في وقت آخر من السنة سوى في هذا الشهر، وهو فرصة جيدة. * كلمة أخيرة شيخنا؟ دعها غدا (قالها ضاحكا)، إن أتيت وأفطرت عندي أعطيتك الكلمة الأخيرة.