مرت فصول حياته أمامه كلمح البصر، 50 عاما بعد ليلة الزفاف وخطواته تسابق الزمن حتى اشتعل رأسه شيبا واحدودب الظهر ، وبعد مكابدة كل تلك السنين ،اتكأ في خريف العمر على جدران ساحات المسجد الحرام يرقب المارة في لحظات تأمل تعبق برائحة الوفاء الذي ظل أسير المشاغل الحياتية التي قد لا تمنح الزوج الفرصة كي يعبر عن مشاعره لنصفه الآخر فتمتزج روحيهما وتسقط الأقنعة ليسطع نور الوفاء . (عبدالحق نور)، معتمر سبعيني غادر مسقط رأسه في الهند مصطحبا زوجته ليحقق حلمها .. ذلك الحلم الذي راودها منذ نصف قرن من الزمان عندما وعدها في «ليلة الزفاف» برحلة العمرة إلى مكةالمكرمة عندما لم تتح له الظروف آنذاك تقديم هدية العرس المتعارف عليها بين سكان قريته الصغيرة في أقاصي الهند. ظل عبدالحق طوال تلك السنين عاجزا عن الوفاء بذلك الوعد نظرا لظروفه المالية التي لم تمكنه من تحقيق حلم فتاته، حتى قرر أخيرا بيع جزء من أرضه التي يعمل على فلاحتها . في ركن منزو من ساحات المسجد الحرام جلس «عبدالحق» وهو يسند ظهره في لحظة استرخاء من عناء المشي في أروقة المنطقة المركزية ، ورغم الجهد الذي بذله ،إلا أن البسمة لم تفارق محياه وسط تلك الجموع من المعتمرين ،لتكون رحلته الإيمانية بمثابة لوحة وفاء مؤطرة بحبات العرق المتساقطة على جبينه 70 عاما في انتظار هذه اللحظة النادرة في رحاب المسجد الحرام .