«انقلاب ناعم، ومقاومة شرسة» هكذا يصف المهتمون ما تعيشه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في مركزها الرئيس وفروعها في مختلف مدن ومناطق المملكة التي تضم أكثر من 4 الاف عضو سجالات فكرية وأخرى إدارية لفهم ما يقوم به الرئيس الجديد الذي يحمل مشروعا إصلاحيا غايته تصحيح المسار وتحسين الصورة السالبة. عالمون ببواطن الأمور، وقريبون من فكر رئيس الهيئة الجديد الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ يؤكدون أن هذا الإداري العتيد لديه صبر وجلد وقدرة على حلحلة الأمور والتغلغل في مفاصل العملية الإدارية لاستئصال الأورام، غير أن هؤلاء يقرون بأن داخل الهيئة حرس قديم عتيد صاحب رأي واحد لا يقل في صلابته عن صلابة رئيس الهيئة وبالتالي فإن استيعابه للتغيير المأمول ضرب من الخيال. فمن من الفريقين سينجح في نهاية الأمر؟ وهل يمكن وصف ما تشهده الهيئة حاليا من تغييرات دراماتيكية في الأنظمة وآليات العمل بأنه انقلاب ناعم على سياسات عمرها أكثر من 70 عاما؟ وهل يواجه رئيس الهيئة الجديد تحديا إداريا ومقاومة من بعض الموظفين القدامى؟ أسئلة كثيرة ومحاور ساخنة طرحناها على المختصين والقريبين من جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهدف الخروج بفهم مشترك لما تعيشه الهيئة من حراك يمكن وصفه بأنه الأقوى والأعنف طوال عمرها الذي يتجاوز سبعة عقود. تصحيح الخلل الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي مدير عام هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة سابقا يرى أن هناك محاولة جادة لتصحيح الخلل القائم من بعض أفراد منسوبي الهيئة سبقتها محاولات ذهبت أدراج الرياح بسبب تغلغل تلك السلوكيات الخاطئة في العمل ووجود من يبررها ويدعم بقاءها واستمرارها وضعف الدور القيادي في تصحيح مسار العمل به وأحيانا سلبية ذلك الدور لأن بعض من يشرف على تلك الأعمال من القياديين يدعم بقاء تلك السلوكيات ويستغل كل دعم لهذه الشعيرة لتقوية ذلك الجانب في هذا الجهاز. وأضاف أنا أعتبر المحاولة الجادة الآن يقظة واجبة شرعا ومطلوبة وإن كانت متأخرة لكن الواجب بذل الوسع لتصحيح ذلك الخلل وتحقيق هذه الشعيرة على هدي النبوة الصحيح وحكمته وعدله وسماحته وعدم التهاون في ذلك مطلقا بل الحزم ضرورة في هذا الجانب حتى يستقيم العمل على الوجه الصحيح مهما كلف ذلك . حلحلة مداميك وفي هذا الجانب أيضا يرى الإعلامي عبد العزيز قاسم أن رئيس الهيئة الجديد يقوم بخطوات كبيرة، أحسبها حلحلة لمداميك قوية لم تفك ، ولم يستطع كل من سبقوه من الرؤساء أن يقتربوا منها كموضوع المتعاونين ومنعهم من العمل، وكذلك نيته في إشراك النساء بشكل رسمي في الهيئة . وأضاف لقد أصدر قرارات جريئة تمس صميم عمل الهيئة التي كانت متوارثة جيلا بعد جيل، مثل تلك المطاردات التي أدت لحوادث مؤسفة، بل حتى في عقلية وفهم بعض منسوبي الهيئة حيال دورهم المنوط، مثل ذلك العضو الذي أتاه جذلا بأنه استطاع القبض على 10 نساء في يوم واحد، فقام فورا بفصله.. لأن هذه الثقافة التي كانت سائدة حيال أداء عضو الهيئة، كل هذا الحراك يمكن وصفه انقلابا ناعما يقوده رئيس الهيئة. سياسات رخوة الدكتور سليمان الدويش يرى هو الآخر بأن الواقع اليوم يختلف عنه في أي عصر مضى والأحداث والمستجدات كثيرة ولذا فمن الحكمة مواكبتها والتعامل معها بما يناسبها شريطة الالتزام بالثوابت وما تقتضيه أحكام الشريعة وسياسة البلاد المستمدة منها ، والسياسات السابقة إن كانت لا تتفق مع ما تقتضيه المرحلة فتغييرها ليس انقلابا بل تطويرا للأفضل أما إن كانت متوافقة ويراد التحرر منها لاستبدالها بسياسات رخوة لا تمانع مظاهر التمييع والتغريب فهذا انقلاب على القيم والثوابت وليس على جهاز الهيئة فحسب، لكنه يرى أن الحديث الإعلامي عن الهيئة أكبر مما هو واقع داخل أروقتها. مقاومة شرسة سألت المشاركين في القضية عما إذا كان رئيس الهيئة يواجه مقاومة إدارية وهنا يرى الشيخ أحمد الغامدي أن حجم المقاومة في نظري غير ببسيط لأنها مقاومة وجود من الحرس القديم وذلك الحرس القديم لن يتقبل فقدان مصداقيته ببساطة ولا بد أن يكون لدى القيادة الجديدة فريق عمل مأمون وموثق يقدم له الحقيقة ويتابع توجيهاته وإلا فإن دهاليز ذلك الحرس لن تألو جهدا في وأد كل المحاولات الاصلاحية في مهدها. ويشاركه في الرأي عبد العزيز قاسم الذي يؤكد على أن الهيئة تزخر بقيادات قديمة، ما زالت على نفس الرؤية التي توارثوها، وهذه النماذج موجودة في كل القطاعات والوزارات، وهم ضد التغيير، ويريدون إبقاء الأمور كما هي بمثل ما توارثوها عن أسلافهم، ولكن آن الأوان فعلا ، اعطاء الراية ومواقع القيادة للجيل الشاب الجديد. ودعا إلى ضرورة التركيز على الطاقات الشبابية وإعطائها المساحة ومواقع القيادة كي يبثوا روح التجديد في مفاصل الهيئة، ويكونوا أكثر قدرة على المرونة والتعامل العصري الجديد الذي تتطلبه المرحلة التي نعيش، وخلص إلى القول بأن الرئيس الجديد يواجه مقاومة عاتية من الداخل والخارج، بسبب تلك العقلية التي أسلفنا، وبسبب التوجس من أن خطواته إنما هي محاولة لتحجيم دور الهيئة بما يريده مناوئوها، لذلك كانت الممانعة قوية جدا. شأن داخلي الدكتور سامي بن أحمد الخياط أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية التربية بجامعة شقراء يرى إن كان المراد بالمقاومة نتيجة تغييرات وإجراءات إدارية فهذا شأن داخلي ربما يقاومه من يعنيه الأمر مباشرة أو يتضرر منه. ويجمع كثير من الخبراء في علوم الإدارة على ضرورة تحديث نظام الهيئة الذي صدر عام 1400 ه أي قبل 33 عاما، ويرصد المختصون ملاحظات جمة عليه أبرزها: يرى الدكتور أحمد قاسم الغامدي يجب أن ينطلق من إعادة تحدد أهداف الجهاز واختصاصه بدقة ووضوح وآلية تنفيذ تلك الأهداف والصلاحيات المحددة لمسؤولي منسوبيها لتصحيح الخلل الواقع في أعمالها ثم إنه يجب أن يشتمل في صياغة نظامها على المواد اللازمة لتحقيق الجانب الرقابي لتنفيذ ذلك النظام بالشكل المرغوب فيه متفقا مع روح الشريعة ونصوصها المحكمة وقد آثرت مرارا الحديث عن هذا في اجتماعات كثيرة وكان هاجس التخوف من البديل دوما. وعن الأولويات التي لا يمكن القفز عليها من قبل رئيس الهيئة، يرى الدكتور سامي خياط بأنها تتمثل في مراجعة عدد من المسائل الشرعية المتعلقة بعمل الهيئة وآليته وإخضاعها للدراسات العلمية والفقهية، ومراعاة الخلاف فيها، ووضع الضوابط الشرعية والفقهية والقانونية للتعامل معها، مراعاة العديد من القواعد الفقهية في آلية عمل الهيئة الميداني مثل: (لا إنكار في مسائل الخلاف، وتغير الأحكام بتغير الأزمان)، إعادة صياغة (نظام الهيئة ولائحته التنفيذية) الذي مضى عليه أكثر نحو 33 عاما. وزاد : «ولا يجوز التغاضي عن هذا المطلب الملح مع تطور الكثير من أنظمة الدولة ذات العلاقة، كالأنظمة العدلية المرتبطة بعمل الهيئة، فالواقع يفرض إعادة النظر وتطوير نظام الهيئة ولائحته التنفيذية، وتحديد اختصاصها وفق الأنظمة واللوائح المطورة». فريق عمل مأمون ويتفق معه الشيخ أحمد الغامدي الذي أكد على أن أول ما يجب عمله تكوين فريق عمل مأمون من خارج الجهاز ومن اهل الخبرة الموثوقين من داخله ليقوموا بما يطلبه منهم على الوجه الذي يطمئن اليه وليقدموا له المعلومة الصحيحة وليجد من يعتمد عليه في متابعة ما يلزم متابعته من قبله. ويدعو إلى تصحيح وضع القيادات العليا بتكليف الأجدر فالأجدر حسب معايير الكفاءة والجدارة للوظيفة العامة قدر الامكان، ثم وضع آلية عمل واضحة وصحيحة لكل مجالات العمل القائمة لا تقبل الاجتهاد ريثما يتم الانتهاء من تحديث نظام الهيئة ولوائحه، ووضع آلية رقابية لمتابعة العمل على ضوء آلية العمل السابق تحديدها والأخذ على يد المخالف بكل حزم. الشمولية والتحديث ويرى الشيخ يوسف الفضلي أنه من الضروي تحديث نظام الهيئة كأول مهمة لابد من تحديد خطوات انجازها في أقرب فرصة وعبر آلية تحقق المطلوب من تطويره بما يخدم هذه الشعيرة على هدي النبوة وتشريعات الاسلام الصحيحة المتفق عليها في اطار من الشمولية والعدل والحكمة والرحمة. ويؤكد الشيخ الفضلي على أن هناك كثيرا من الأنظمة داخل الهيئة تحتاج إلى مراجعة فهناك تقارير تقيس أداء كل فرع وعضو بحجم من تم القبض عليه، كما أن هناك مصادمات تحدث في الأسواق التجارية مع أعضاء الهيئة وبعض الإخوة القادمين لأداء العمرة حيث يطلب عضو الهيئة من المرأة تغطية وجهها وهذا امر غير مطبق في بلدها الذي قدمت منه، وهذا يتضح بصورة جلية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة. وعن الحلول لمنع هذه المصادمات قال لا بد من تحديث الأنظمة وليس من المعقول أو المقبول أن نعمل بنظام عمره الآن 33 عاما، وسياسات قديمة لم يطالها التغيير فضلا عن وجود بعض القيادات التي تجتهد وفق رؤيتها التي لم تعد مناسبة لهذا الزمان. كثرة التصاريح الإعلامية وعن أبرز الملاحظات على رئيس الهيئة يرى عبد العزيز قاسم أن رئيس الهيئة يحتاج أن يضم معه في إصلاحاته في الهيئة ثلة علماء فضلاء من كبار علمائنا، كي يطمئن الوجلون ، وليقطع الطريق على أولئك المناوئين لهذه الإصلاحات، فعندما نسمع مثلا بأن معالي الشيخ عبد الله المطلق أو عبد الله بن منيع أو قيس المبارك، والثلة الكريمة في هيئة كبار العلماء، يساندونه في مساعيه، فسيقطع الطريق أمام اللاغطين. ويجزم الشيخ الغامدي على أنه ليس من المناسب العجلة في هذه المسألة خصوصا أن عمل الجهاز جديد عليه ويكتنفه الكثير من الأمور كما لا يخفى ومن الضرورة الأخذ بالحيطة الكافية قبل الإقدام على أي إجراء لكننا في مقابل ما نسمعه من لوم عليه يتناول جهوده التي بدأ بها بالذم ويعارضها ويزعم أصحاب هذا اللوم أنه حجم دور الجهاز وقلصه؛نقول لهم بل هناك من يرى أنه متأخر فيما يجب أن يكون عليه الوضع في الجهاز طيلة المدة الماضية ولكن الحق أننا نؤمل على يديه الخير الكثير والبدايات مشجعة ونحن ندعو له بالإعانة والتوفيق لتحقيق الرفعة لهذه الشعيرة يدا بيد مع جميع منسوبي هذا الجهاز وهم محبون للخير بلا شك نحسبهم كذلك وبدعم هذه الحكومة الرشيدة. 6 ملاحظات في صلب نظام ال 33 عاماً يرصد الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي 6 ملاحظات يرى أنها جوهرية على نظام الهيئة الصادر في عام 1400ه. الملاحظات الجوهرية على نظام الهيئة حاليا ولائحته التنفيذية تبعا لذلك تتلخص بشكل عام فيما يلي: أولا: تقادم عهد مواده لأكثر من ثلاثين عاما من تاريخ صدوره فرغم تغير البيئة والمجتمعات وتوسع أساليب الحياة وتطور تقنياتها ونظمها بغير شك يجعل الجمود على تلك المواد مصدر ضعف لهذه الشعيرة والحاجة ماسة لتشريعات تتناسب مع هذا التطور المدني للدولة والمجتمعات. ثانيا: أن الكثير من الأنظمة العدلية ولوائحها في المملكة فيها الكثير من المواد التي ألغت العمل بمواد في نظام الهيئة وهي كثيرة جدا وعلى سبيل المثال جاء في المادة الرابعة والتاسعة والحادية عشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة وغيرها من المواد في نظام الهيئة ولائحته إعطاء الهيئة الحق في التحقيق وهذا يتعارض مع ما جاء في نظام الإجراءات الجزائية من اختصاص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق دون غيرها. ونحو هذا ما جاء في الفقرة (ب) من المادة الرابعة من نظامها من إعطائها حق العقوبة المباشرة وهذا يتعارض مع ما جاء في نظام الإجراءات الجزائية من أنه لا عقوبة إلا بحكم شرعي ونظام الإجراءات الجزائية متأخر وهو يقضي بإلغاء ما يتعارض معه ونحو هذه الملاحظات كثير وخصوصا في اللائحة التنفيذية. ثالثا: كثرة الألفاظ العامة فيه وفي لائحته مما يدعو للكثير من الخلل في تفسير مدلولاته والنزاع حوله والواجب أن يكون النظام ولوائحه مفصلا ودقيقا ومحددا وليس فضفاضا يقبل الاجتهادات واختلاف الأنظار في تفسيره. رابعا: أن العديد من المخالفات المنصوص عليها فيه تحتاج لإعادة النظر لاستثناء ما كان منها محل اختلاف الفقهاء باعتبارها من المسائل الاجتهادية التي اختلفت فيها أنظار فقهاء الإسلام فما ليس محل اتفاقهم فليس محلا لإقحام الأنظمة فيه. خامسا: أن هناك الكثير من المعاهدات والمواثيق والنظم الدولية المتفق عليها استجدت والأمر بحاجة ماسة لإعادة النظر في الكثير من مواد هذا النظام ولوائحه لتتفق وتنسجم مع كل ذلك وتكون معه منظومة تكاملية إيجابية لا تتعارض ولا تتناقض مع شيء من ذلك فتوقع الجهات في حرج عام. سادسا: أن هناك الكثير من مواد نظام الهيئة ولائحته إما معطل لعدم فاعليته وإما مهمل لعدم صلاحيته والواجب تهذيبه واستبعاد ما كان من ذلك الباب منه وصياغته بما يتفق مع واقع العمل المطلوب.